استنكر
خبراء قانون وحقوقيون وعدد من رجال القضاء الفتوى التي أصدرتها الجمعية
العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار عصام الدين
عبد العزيز، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، بعدم خضوع قضاة مجلس الدولة
أو أعضاء أي جهة أو هيئة قضائية أخرى، لأحكام قانون الكسب غير المشروع
معتبرين أنه تكريس ممنهج للفساد وسابقة خطيرة تدل على المحاصصة المهنية
التي قام عليها دستور العسكر الذي ادعوا إقراره بنسبة 98%.
مؤكدين
أن صدور هذه الفتوى في هذا التوقيت الذي يلعب فيه القضاء دورًا بارزًا في
مساندة الانقلاب العسكري إنما يأتي في إطار مكافأة للقضاة ورسائل تطمينية
لكل القضاة المتورطين منهم، والمثير للغرابة في هذه الفتوى جاءت ردًّا على
خطابات عدة أرسلت إلى شئون الكسب غير المشروع لرئيس مجلس الدولة، للمطالبة
بالوقوف على البيانات والإقرارات الخاصة بعدد من أعضاء المجلس، لفحص شكاوى
مقيدة ضدهم في إدارة مكافحة الكسب غير المشروع، بناء على قرارات صادرة من
هيئات الفحص، والتحقيق المختصة، فأحال هذه الفتوى رئيس المجلس الأمر إلى
الجمعية العمومية العمومية لبيان قانونية الموقف فصدرت هذه الفتوى.
والتي
كان من حيثياتها أن قانون الكسب غير المشروع يسري -بحسب مادته الأولى- يطبق
على القائمين بأعباء السلطة العامة، والعاملين بالجهاز الإداري للدولة،
ورئيس وأعضاء مجلس الشعب، ورؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحلية، ورؤساء
وأعضاء الهيئات العامة، وفئات أخرى عدة ليس من بينها بنص صريح واضح أعضاء
الجهات والهيئات القضائية بصفة عامة أو مجلس الدولة بصفة خاصة.
وهو ما
كان محل جدل وخلاف بين السياسيين والقانونيين ورجال القضاء؛ فعدد منهم يرى
أن هذه الفتوى هي حق أصيل للقضاة، معتبرين أن إخضاع القضاة لقانون الكسب
غير المشروع يتعارض مع استقلال السلطة القضائية وأعضائها، مؤكدين أن جميع
الوثائق الدستورية أكدت عدم وجود سلطان على أعضاء السلطة القضائية، محذرين
من أي تدخل في شئون العدالة، على الجانب الآخر انتقد وبشدة خبراء آخرون هذه
الفتوى مؤكدين أنها تكريس ممنهج للفساد الذي تعاني منه السلطة القضائية
وأنها محاولة لتحصين القضاة المتورطين في مساندة الانقلاب العسكري من خلال
إصدار الأحكام الانتقامية التي تتوافق مع هوى السلطة القائمة، وتتنافى مع
كل مبادئ تحقيق العدالة، والتي منها إهدار حقوق المتهمين من معارضي
الانقلاب، ومنعهم من الحصول على أبسط حقوق العدالة، والإفراط في استخدام
الحبس الاحتياطي بحقهم ورفع الحد الأقصى لمدة هذا الحبس دون أي سند قانوني،
في الوقت الذي يتم فيه تجاهل المئات من البلاغات الرسمية التي قدمت بخصوص
المجازر التي ارتكبت ضد المعارضين بأحداث المنصة والحرس وفض اعتصامي رابعة
والنهضة دون يتم حتى التحقيق من قبل النيابة.
لم تكن
فتوى تحصين القضاة هي الامتياز الوحيد الذي تحقق بعد انقلاب يونيو؛ ولكن
هناك عدة امتيازات أخرى تحققت وكلها ترمي إلى نفس الهدف وهو التكريس
الممنهج للفساد، من ذلك على سبيل المثال إدراج ميزانية القضاء كرقم واحد في
الموازنة على غرار القوات المسلحة، وإعطاء رئيس الهيئة القضائية الحرية
كاملة في تحريك بنود الموازنة من بند لآخر، وهو ما أقره دستور الانقلابيين
مؤخرًا في استجابة لمطالب رئيس نادي القضاة.
حق يراد به باطل
المستشار محمد عوض: هذه القرارات مكافأة لكل الشخصيات القضائية الفاسدة التي جندت نفسها لخدمة الانقلاب
في هذا
الإطار أكد المستشار محمد عوض -المنسق العام لحركة قضاة من أجل مصر- أن عدم
إخضاع أعضاء الهيئات القضائية لقانون الكسب غير المشروع هو تكريس ممنهج
للفساد، ومحاولة لتوسيع رقعته داخل السلطة القضائية بصورة أكثر مما هي عليه
الآن، والتي ظهرت في أقبح صورها بعد الانقلاب العسكري والذي كشف عن مدى
ضلوع القضاء في مساندة هذا الانقلاب الدموي، ومن ثم نجد المساعي نحو تحصين
رموز قضائية أفسدت بالفعل وثبت تربحها غير الشرعي سواء عن طريق نهب أراضي
الدولة وغيرها من أشكال التربح الأخرى من خلال تزوير الانتخابات وغير ذلك،
إنما يدخل في إطار المكافأة لكل الرموز القضائية الفاسدة لدورها في توفير
غطاء قانوني قضائي لممارسات الانقلاب الانتقامية ضد معارضي الانقلاب من
خلال إصدار أحكام سياسية موجهة تخدم أهداف السلطة الانقلابية ولا تمت بصلة
بقريب أو بعيد لتحقيق العدالة.
وأضاف
عوض القول بأن عدم خضوع أعضاء الهيئات القضائية لقانون الكسب غير المشروع،
وأنه يدخل في إطار الحرص على استقلالية السلطة القضائية هو قول مغلوط وحق
يراد به باطل، مؤكدًا أن المزج بين قضية استقلالية القضاء ومطالب يصعب
فهمها إلا من خلال منظور السعي إلى امتيازات خاصة أمرٌ ليس له علاقة
باستقلالية القضاء، مشيرا إلى أن استقلال السلطة القضائية لا يعني تحصين
أعضائها ضد المحاسبة على الفساد أو إدراج الموازنة الخاصة بها في البند
الأول دون مراقبة، ولكن استقلال السلطة القضائية يعني في المقام الأول
قدرتها على اتخاذ القرارات بحرية كاملة دون تدخل من سلطة أخرى تصدر لها
تعليمات أو تمارس عليها ضغوطا من أي نوع.
ومن ثم
يرى أن القرار والفتاوى التي تصدر تحت مسمى استقلال السلطة القضائية والتي
منها هذه الفتاوى ما هي إلا محاولات لتحقيق مكاسب خاصة لعدد من الشخصيات
القضائية التي جندت نفسها لخدمة هذا الانقلاب.
رسائل تطمينية للمتورطين
الدكتور أحمد كمال: من المتوقع استمرار القرارات التحصينية كرسائل تطمينية للمتورطين
ومن
جانبه اعتبر الدكتور أحمد كمال -أستاذ القانون بالمركز القومي للبحوث
الاجتماعية والجنائية- أن ما يصدر اليوم من فتاوى وقرارات من شأنها تحصين
القضاة هو أمر ليس بالمستغرب في ظل إدراك الجميع لمدى تورط القضاء في
محاولات تمكين هذا الانقلاب، مشيرًا إلى أنه من المتوقع استمرار هذه
القرارات التحصينية بهدف إرسال رسائل تطمينية لكل المتورطين من القضاة.
ووصف
كمال الفتوى الصادرة من الجمعية العمومية بعدم إخضاع أعضاء الهيئات
القضائية لقانون الكسب غير المشروع بأنه كارثة جديدة لا تهدف إلا لتمكين
الفاسدين، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى كل قرارات السلطة الانقلابية المتعلقة
بمجال القضاء نجد أنها تحمل في طياتها ردة حقيقية عن كل محاولات الإصلاح
والتطهير التي كانت قد بدأت في النظام السابق، التي منها على سبيل المثال
قضية توريث القضاء؛ حيث أخذ نظام الدكتور مرسي على عاتقه تغيير هذا الأمر،
وأعطى الأولوية للتعين في النيابة لأصحاب الكفاءات والتقديرات المرتفعة،
وتم بالفعل على أثر ذلك إدراج عدد كبير من الخريجين في قائمة التعيينات
الجديدة، جميعهم من الكفاءات، وتم اعتمادهم بالفعل، ولكن بعد الانقلاب
العسكري تم التراجع عن هذا الأمر وعادت التعيينات تتم عن طريق المحسوبية
والوساطة والتوريث.. كما كان معهودًا في عهد مبارك!
وأضاف
أنه من القرارات التي تم التراجع عنها أيضًا وقف بدل العلاج والتي كانت تعد
أموالاً مهدرة تقدر بالملايين تصرف لمعاوني النيابة؛ حيث تم وقف بدل
العلاج وذلك لأنهم بطبيعة الحال مستفيدون من منظومة التامين الصحي، ويرى
"كمال" أنها كانت خطوة جديدة نحو وقف نزيف الأموال المهدرة ولكن الانقلاب
تراجع عنها أيضًا.
ولفت
كمال إلى أن جميع ما يصدر عن سلطة الانقلاب من قرارات تتعلق بالسلطة
القضائية لا تهدف لخدمة السلطة القضائية بقدر ما تخدم الانقلاب نفسه من
خلال استمرار استخدام القضاة كأداة عقاب لكل معارضي الانقلاب من خلال أحكام
قضائية مسيسة ليس لها علاقة بالقانون.
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
Emoticonمن مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.