أعرف أن هناك من سينتقد توجيه الخطاب "للرئيس المؤقت" وليس للمشير السيسي نفسه ، وربما كان محقا ، ولكننا إذ نتكلم عن الدستور والقانون فنحن مضطرون إلى مخاطبة من يمثلون المسؤولية القانونية والدستورية ، حتى لو كانوا مجرد أشكال وخيالات ، والحقيقة أن شهادة الناشط السياسي خالد السيد التي نشرها أمس عن تعرضه للتعذيب ومشاهداته للتعذيب البشع الذي يتعرض له المعتقلون في أقسام الشرطة أو في سجن أبو زعبل ، حيث وصف بعض الأقسام بأنها "سلخانات للتعذيب" وما حدث من اعتداءات بالضرب والتعرية والاعتداءات الجنسية والصعق بالكهرباء على الأجساد العارية والمناطق الحساسة بالجسم وغير ذلك من مشاهد خطيرة ، هذه الشهادة تأتي في سياق شهادات أخرى متعددة من شباب يتعرضون للاستباحة الآن في عودة سافرة لنفس ممارسات نظام مبارك ومؤسسته الأمنية ، وإذا كان صوت خالد قد وصلنا لتواصله مع صحف أو حقوقيين فإن المؤكد أن أصوات آلاف المعذبين الآخرين لم تصل ، إما لأنهم ما زالوا معتقلين ـ أو محبوسين احتياطيا حسب وصف الدلع الجديد ـ ولم يطلق سراحهم وإما لأنهم يخافون الإدلاء بأقوالهم علنا بعد تهديدات الشرطة لهم بالعودة إذا تكلموا ، وإما أنهم لا يملكون تواصلا ومعرفة بالصحف أو المنظمات الحقوقية ، ولكن هناك عشرات الشهادات التي نملكها الآن بالفعل مطابقة لشهادة خالد ، وهي خطيرة جدا ، وتكشف عن أن كل الأوضاع والممارسات التي تسببت في قيام ثورة يناير عادت من جديد إلى مصر ، وهو ما يؤكد نظرية من يقولون بأن مصر تواجه ثورة مضادة الآن ، وأن الحشد الذي تم تجميعه في 30 يونيو كان مجرد صناعة أمنية معقدة من أجل التغطية على مخطط ثورة مضادة أو انقلاب . الشهادات الخطيرة تكشف عن وقائع ، أغلبها تم ارتكابه بعد الاستفتاء على الدستور الجديد ، أفضل دستور في العالم في باب الحقوق والحريات ، كما قال لنا السادة الجهابذة الذين أعدوه ، اليوم الشرطة تقول لنا "بلوه واشربوا ميته" ، والحقيقة أن دستور بشار الأسد أيضا فيه من الكلام الجميل والعذب عن الحريات وحقوق الإنسان ما يضاهي الدستور الأمريكي ، ولكن هذا لم يمنعه من اعتقال عشرات الآلاف وسحق أجسادهم في السجون وقتل أحد عشر ألف معتقل تحت وطأة التعذيب المروع وهدم المدن على رؤوس سكانها ، فالدستور الحقيقي هو ما يرسم صورة الواقع ويعايشه الناس وتمارسه السلطة ، أما النصوص المكتوبة بدون تطبيق عملي فهي مجرد خداع وتضليل ونصب على الناس ، وأنا مندهش جدا من الجهابذة الذين أعدوا الدستور وتزعموا الترويج له وصدعوا رؤوسنا بالإنجازات الضخمة الفخمة التي حملتها نصوصه ، لماذا اختفوا الآن من مشهد التعذيب ، هل باب الحقوق والحريات في الدستور كتبه غيركم ولم تكون موافقين عليه مثلا ، لماذا يبتلع لسانه الآن عمرو الشوبكي ومحمد سلماوي وعمرو موسى وخالد يوسف وغيرهم ، لماذا انحازوا للشياطين الخرس بالسكوت على هذه الانتهاكات البشعة للدستور الذي كتبوه ولم يجف ماؤه بعد ، هل كانوا يبيعون لنا الوهم والكلام ، هل كان حديثهم عن الدستور العالمي مجرد نصب ودجل . إني أناشد كل إعلامي نبيل ، وكل المؤسسات الحقوقية المحترمة والتي ما زالت تحافظ على كرامتها واستقلالها ولم تتحول إلى بيادة بعد ، أن يوثقوا تلك الشهادات بالصوت والصورة والنص المكتوب ، وأن يبذلوا الجهد الكافي مع ضحايا التعذيب الجديد ، وأن يتواصلوا معهم ، وأن يتخذوا من الإجراءات والجهود ما يكسر الصمت المفروض حول الفضيحة ، داخليا ودوليا ، لا بد من فضح التعذيب فهو جريمة ، ولا بد من وقف تلك الجرائم ، ليس فقط لأنها جرائم ولأنها سلوك غير آدمي ، وإنما أيضا لأنها يمكن أن تصنع أجيالا جديدة تكفر بفكرة القانون والنظام والدستور والنضال السلمي ، فقد برهنت العقود الأخيرة كلها على أن الإرهاب في بلاد العرب والمسلمين ولد في رحم المعتقلات والسجون ومعامل التعذيب ، وهو سيناريو ينبغي منع تحققه الآن ومستقبلا .
جمال سلطان
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر