0
20111031_EgyptFlag_00058
أعد الدراسة: المرصد العربى للحقوق والحريات
في منتصف الثمانينات، تم إنشاء جهاز الخدمة الوطنية في إطار إقرار الجيش لنظرية جديدة للأمن الإستراتيجي ما بعد كامب ديفيد وضع معظم بنودها المشير أبو غزالة بنفسه. هذه النظرية المستحدثة كان من أهم ملامحها معالجة قضية إحلال السلام الشامل مع إسرائيل مع الحفاظ على تماسك الجيش الذي ساده غضب جم من بنود الملحقات الأمنية بالمعاهدة. ومن هنا رأت القيادة العامة آنذاك أن توسيع امتيازات الضباط وصناعة حالة من الرفاهية لهم، برعاية مؤسسية تضمن حد أدنى من العدالة، ربما تكون خير وسيلة لتقديم هذه النظرية الجديدة وصناعة إجماع حولها داخل الجيش. لكنه في ظل العجز الاقتصادي الذي أصاب بأطنابه مرافق الدولة، لم يكن ذلك ممكنًا. ومن هنا فقد نبعت أهمية وجود مؤسسة تعتبر مصدر دخل خاص بالجيش كما تقوم في ذات الوقت على تحقيق التأمين السلعي والخدمي للقوات المسلحة خوفا من حدوث عجز في أحد مراحل التعبئة العامة حال تعرض أي من مرافق الدولة للفشل. في المقابل، يرى مراقبون أن إنشاء هذا الجهاز أكسب القوات المسلحة ثقلاً استراتيجيًا هامًا. كما اعتبره البعض تواكبًا مع بروز الخطوط العامة للجيل الرابع من الحروب التي نظّر لها خبراء كلية الحرب الأمريكية (ويليام ليند وجون شميديت) خلال تلك الفترة.
لكن مسيرة الجهاز وممارساته منذ فترة إنشائه حتى الآن توضح بشكل لا يدع مجالا لشك أن وجوده لم يكن إلا محاولة لجني الأرباح من وراء الحضور الاستثنائي للعسكريين داخل مؤسسات الدولة المصرية في فترة ما بعد 1952. وقد اكتسب الجهاز ثقلا نوعيًا داخل الدولة بمرور الوقت وذلك للأسباب التالية:
  1. الدعم منقطع النظير من قبل القيادة العامة للجيش له وإكتسابه الهيبة العسكرية بكاملها في الحضور أمام مؤسسات الدولة المدنية. وفي هذا الباب، منحت المشروعات التي يديرها الجهاز امتيازات استثنائية من بينها الإعفاء الكلي من الضرائب وعدم الخضوع للهياكل القانونية والمحاسبية التي تنظم أعمال القطاعين العام والخاص. كذلك، فقد تمت الاستفادة من الثغرات الكبيرة في قانون المزايدات والمناقصات وتم إسناد المشروعات التي تقدم الجهاز للحصول عليها بالأمر المباشر.
  2. الانضباط العسكري الذي يحكم طبيعة عمل الجهاز والذي تم استغلاله في اكتساب سمعة طيبة عند أجهزة الدولة خصوصا في مستوى الجودة ومواعيد التسليم. وفي هذا الإطار، سار العرف داخل أعمال الحكومة منذ إنشاء الجهاز على أن المشروعات التي صدرت بها توجيهات من القيادة السياسية بضرورة التسليم في أقصى وقت ممكن (خصوصا في مجال الإنشاءات) يتسلمها الجهاز دونًا عن غيره. وهذا طريق آخر لمضاعفة أعمال الجهاز.
  3. اعتماد الجهاز على الأيدي العاملة الشابة والمجانية المتمثلة في الجنود الذي يقضون فترة تجنيدهم الإجباري لدي الجيش. وهذا أدى إلى مضاعفة صافي أرباح الجهاز الذي لا تتكبد ميزانية الرواتب به سوى القليل.
983
ومع مرور الوقت، حققت القوات المسلحة كفاية كبيرة من مشروعات الرعاية الاجتماعية (مثل النوادي والدور ومشروعات الإسكان الاقتصادي) واستطاعت تنفيذ خطط الرفاهية للعسكريين على نحو أفضل مما خطط له في الثمانينات بخلاف تحقيق أرباح كبيرة تم تقييمها بمليارات. لكن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذي يعتبر الآن أهم “ذراع” اقتصادي للجيش المصري، قادت أرباحه قيادات الجيش المتعاقبة للتفكير أكثر وأكثر في توسيع مهامه وأنطقة نفوذه داخل جهاز الدولة. وتأسيسًا على هذا الوضع، لم تمتد يد الدولة على إحدى شركات الجهاز لخصخصتها في إطار متطلبات سياسة التحرر الاقتصادي التي ضغط البنك الدولي لتطبيقها منذ عام 1992. كما أن الأرباح السنوية الخاصة بالجهاز حسب تقديرات هامة تبلغ حوالي 5% من قيمة الموازنة العامة للدولة بالإضافة إلى تملكه لخمس الأدوات الإنتاجية المملوكة للقطاع العام بمصر.
هيكليًا، يتكون الجهاز يتكون من 21 شركة قطاع عام تابعة له تغطي معظم القطاعات السلعية والخدمية ومن أهمها ما يلي:
  1. قطاع الأمن الغذائي: شكّل هذا القطاع اللبنة الأساسية لأعمال الجهاز حيث يركز على إنتاج المواد الغذائية والإنتاج الزراعي والحيواني وأعلاف الماشية والإنتاج الداجني وعسل النحل. ومجموع شركات هذا القطاع 8 شركات و20 مزرعة و5 مجازر ضخمة و5 وحدات ألبان عملاقة. وأهم تلك الشركات شركة مصر العليا وشركة سينا والشركة الوطنية بشرق العوينات. ويعتبر مجمع مخابز القاهرة الكبرى التابع لهذا القطاع من أكبر مجمعات الخبز في العالم بسعة إنتاجية تتجاوز 1.5 مليون رغيف يوميًا.
  2. قطاع التعدين: تعتبر جميع الأراضي المملوكة للدولة مواقع انتشار حربي حسب قوانين تعود لأيام محمد وتم إقرارها حديثًا “تنفيذًا لخطة الدفاع عن الدولة”. وهذا يعني أن صاحب الكلمة العليا في كل أراضي الدولة هو الجيش حسب قانون الواقع وواقع القانون. وتأسيسًا على هذا المبدأ، فإن قطاع التعدين بالجهاز يمتلك معظم المناجم التعدينية بالبلاد مثل مناجم الجبس والمنجنيز والرمل الزجاجي والطفلة والزلط وخلافه. وما يتبقى من المناجم خارج سلطة الجهاز تشرف على أعمال “تأمينها” القوات المسلحة. ويندرج تحت هذا القطاع عدة شركات صغيرة كل شركة تقوم على إدارة نشاط تعديني معين إلى جانب الشركة الوطنية لإنتاج وتعبئة المياة الطبيعية (صافي) التي تعد أحد أكبر شركات الجهاز بأكمله.
  3. قطاع البتروكيماويات والكيماويات الوسيطة: ويقوم هذا القطاع بالإشراف على توفير الحاجات البترولية الخاصة بالقوات المسلحة وتأمين مخزونها الإستراتيجي بالإضافة إلى مساعدة الحكومة في سد فجوات الطاقة. ويندرج تحت هذا القطاع شركة النصر للكيماويات الوسيطة بشكل أساسي بالإضافة إلى شركات صغيرة مساندة.
  4. قطاع الخدمات: ويندرج تحت هذا القطاع شركتين كبيرتين في مجال الخدمات هما شركة النصر للخدمات والصيانة (كوين سيرفيس) ذات الصيت الواسع في أعمال الأمن والحراسة والأعمال الفندقية إلى جانب الشركة الوطنية للبترول التي تدير محطات بنزين “وطنية” وتنتج العديد من المنتجات البترولية. وذلك بالإضافة إلى شركة أخرى لاستيراد المواد النفطية والبتروكيماوية ذات شبكات إقليمية واسعة.
  5. قطاع المقاولات: ويتنافس الجهاز عبر شركتيه (الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات) و(الشركة الوطنية للطرق والكباري) على سوق الإنشاءات الحكومية بمصر. ويتم إسناد أعمال الإنشاءات على جميع المنافذ الإستراتيجية للعاصمة والمدن الحدودية  حصرًا للجهاز ليقوم في ذلك بمعاونة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. ويتم وضع معايير محددة في تلك الإنشاءات تتحمل عبور الآليات العسكرية الثقيلة في أوقات الحروب أو الأزمات. وكان من أهم مشروعات هذا القطاع في الأعوام الأخيرة محور المشير طنطاوي واستاد برج العرب والبنية التحتية للهيئة القومية للاتصالات.
  6. استصلاح الأراضي: يقوم الجهاز عبر الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية بشرق العوينات باستصلاح وزراعة الأراضي بهذه المنطقة وشركة أخرى في سيناء بإمكانات في الاستصلاح تتعدى إمكانات وزارة الزراعة وهيئة الأوقات وأكبر خمس شركات في هذا المجال مجتمعة. ويقوم هذا القطاع بالتنسيق حول خرائط الأراضي التابعة لها أو المراد ضمها مع “جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة”.
  7. البصريات: تقوم (الشركة العربية العالمية للبصريات) على تصنيع وتجميع وتسويق الأجهزة البصرية والكهروبصرية وأجهزة الليزر والأجهزة الإلكترونية الدقيقة حسب حاجات القوات المسلحة والسوق المصرية.
DCIM100MEDIA
مع اعتناق جميع الدول شرقًا وغربًا للنيوليبرالية الأمريكية وارتضائها بقواعد النظام العالمي الجديد وفي القلب منها مصر، يدعونا جهاز بهذا الحجم الضخم على نمط المؤسسات السوفييتية الذي انقرض في هذه الأيام للتساؤل: هل هذا يؤشر لاعتقاد القيادة العسكرية المصرية في أهمية التخطيط المركزي والسلطة المركزية كنمط في القيادة؟
في برقية أبرقتها السفارة الأمريكية بالقاهرة لوزارة الخارجية بواشنطون في 2008 وسربتها ويكيليكس، تقول السفارة أن المشير طنطاوي لا يحب سياسات الإصلاح الاقتصادي لأنها تقلل من سيطرة الدولة المركزية. ويرجح في هذا أن الرجل كمثل قيادات الجيش لا يرغبون في خضوع امتيازاتهم لاقتصاص أو الإنضواء تحت إطار ميزانية موحدة للبلاد.
إن هذا الجهاز بما يشكله من هياكل أخطبوطية وتحالفات شبكية لهو خطر على أي ديموقراطية وليدة في مصر وهو ما ذكر السيد يحيي حامد وزير الاستثمار في عهد مرسي طرفًا منه في حديثه لقناة الجزيرة منذ أيام. لكن الأهم من السعي لتفكيك طبقات الفساد بهذه المؤسسات هو الاستقرار على خريطة للعلاقات المدنية العسكرية نؤطر بها سيناريوهات المستقبل.
41221197 safi showimage 397599_406986419382564_1125412141_n t1g

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top