فلنواجه الحقيقة!
لقد مَسَخَنا الحكم العسكري الذي امتد ستين عاما حتى أصبحنا أمة يتنكر جزء من أبنائها لأبسط الحقوق الإنسانية.
لقد حكمنا رئيس مخلوع اسمه مبارك ثلاثين عاما، فعمل بخطة منظمة لهدم سائر مؤسسات الدولة، والأخطر من ذلك أنه هدم قيم هذا المجتمع في قلوب كثير من المواطنين، لذلك نرى اليوم ظواهر إنسانية لم نتخيل أن نشاهدها في يوم من الأيام.
دماء تسيل في الشوارع، قتلى يتساقطون، أمهات ثكلى، زوجات ترملن، أطفال صاروا أيتاما، آلاف المعتقلين، وكل ذلك لا يحرك شعرة في رأس بعض الذين يرقصون على إيقاع طلقات الرصاص في الشوارع والطرقات.
الأسوأ من ذلك، أننا اكتشفنا أن جزءا من هذه الأمة بعد أن حكمها شخص مثل مبارك ثلاثين عاما لا يبالي بأي شيء، فهو مع الدولة مهما فعلت، وهو لا يدرك عواقب ذلك، ولا يعرف أنه عدو نفسه، وأن هذه الدولة الباطشة لن ترحمه هو شخصيا لو تصادف أن بطشت به.
دعني أوضح لك عزيزي القارئ، فلتفترض أن عدة أشخاص قرروا أن يجتمعوا في منزل أحدهم ليتعاطوا الحشيش والمخدرات، أو لكي يمارسوا رذيلة ما في بيت دعارة، ثم وقعت هذه البناية على رؤوسهم، وأصبحوا جميعا تحت الأنقاض، وفضحت أفعالهم ... السؤال (ما هو واجب الدولة في تلك اللحظة)؟
إجابة السؤال (قولا واحدا) طبقا لسائر الأديان والشرائع والأعراف والقوانين، طبقا لدستور حسني مبارك، طبقا لسائر الإعلانات الدستورية، طبقا لدستور 2012، طبقا للدستور الحالي... واجب الدولة في تلك اللحظة أن تنقذ هؤلاء المواطنين القابعين تحت الأنقاض، ولا يختلف في ذلك أي إنسان على وجه الأرض.
مهمة الدولة حين يكون المواطن تحت الأنقاض أو تائها في البر أو البحر أن تنقذه، ومن يقول غير ذلك فقد فقدَ إنسانيته، حتى لو كان هذا المواطن يرتكب أي فعل فاضح !!!
للأسف وجدنا بعض المواطنين المصريين الذين لم يتعاطفوا مع مجموعة من الشباب الذين صعدوا لتسلق جبل "سانت كاترين"، ثم وقعت كارثة العاصفة الثلجية، فحوصروا حتى مات منهم ثلاثة، وكالعادة تقاعست الحكومة في إنقاذهم، لأنهم مصريون، وليس بينهم أي سائح أجنبي يشفع لهم في طائرة إنقاذ.
البعض يقول إنهم خالفوا بعض القوانين بتسلقهم دون مرشد، وغير ذلك من الهراء الذي قرأناه على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه، (ماذا حدث لمن ركبوا عبارة بشكل قانوني ودفعوا تذاكر كاملة، من ضمن ثمنها تأمين على السلامة، وتأمين على الحياة، وتعويض في حالة أي حادث؟ ماذا حدث لمن ركبوا قطار الصعيد واحترقوا في هولوكوست مصري أصيل؟)
الإجابة نعرفها جميعا، لم يحصلوا سوى على الحسرة والقهر، وخرج صاحب العبارة من صالة كبار الزوار، ووزير القطار عاد لوزارته...!
لا تصدعونا بالتبريرات للحكومة، لأن الحقيقة واضحة وضوح الشمس، الحكومة المصرية تحتقر المواطن المصري، وهذا قاسم مشترك بين جميع الحكومات التي حكمت مصر على مدار ستين عاما مضت، والاستثناءات قليلة جدا، وأغلبها استثناءات "تلفزيونية" للدعاية لا أكثر.
لقد احتقرنا الحياة الإنسانية رويدا رويدا، فلم نتحرك حين غرق المواطنون في عبارات، ولا حين احترقوا في القطارات، ولا حين انهارت فوقهم صخور الجبال، ولا حين قتلوا في الشوارع حين ثاروا، ولا حين أحرقت جثثهم وجرفت بالجرافات!
مات الشباب من زمهرير البرد في "سانت كاترين"، ونرى آلاف المواطنين شامتين في موتهم، يحاسبونهم على توافه الأمور، (إيه اللي وداهم هناك؟).
في نفس اللحظة يلقى في السجن آخرون بتهمة لا مثيل لها إلا في دول جحيم الاستبداد، عمر حاذق الشاعر الشاب، طاهر مختار الطبيب النابه، لؤي قهوجي الناشط المحترم، ماهينور المصري المحامية التي لم تترك بابا لنصرة المظلومين إلا وطرقته، حسن مصطفى المناضل الذي ناضل ضد الظلم في كل العصور، ومع هؤلاء إسلام حسنين وهو مواطن مسكين لا ذنب له سوى أنه مر بالصدفة في موقع الأحداث.
هؤلاء الشباب محكوم عليهم بالسجن لمدة سنتين مع غرامة 50 ألف جنيه، التهم خرق قانون التظاهر وإتلاف وإصابة مجندين، وتكسير سيارات.
ماذا فعل هؤلاء؟
لقد تظاهروا أمام محكمة المنشية من أجل قضية خالد سعيد، أيقونة الثورة، تلك القضية التي لا تريد أن تنتهي بحكم عادل أو ظالم، وأحداث اليوم تشير إلى أنهم نظموا وقفة سلمية، وأن الشرطة هي من بدأت بالاعتداء على النشطاء.
قدم المحامون استئنافا للقضية، ولأول مرة منذ سنين يتم رفض الاستئناف، ويتم تأييد الحكم!
هؤلاء الشباب في السجن وبعضهم حكم عليه غيابيا، وذلك بعد أن استغرقت قضيتهم عدة أسابيع في المحكمة، والغريب أنهم قد تظاهروا من أجل قضية خالد سعيد، وهي القضية التي يتم تأجيلها منذ أربع سنوات...!
هل تريد دليلا على أننا قد فقدنا إنسانيتنا؟
إنه دليل قاس، وأنا مضطر لأن أقول ما سأقوله، هل تعلم عزيزي القارئ أين تقف السيدة الفاضلة أم خالد سعيد؟
للأسف ... تقف مع قاتل ابنها ضد من تظاهروا مطالبين بدمه!
بعض المواطنين المصريين اليوم يصفقون لكل أنواع الاستبداد، ويشمتون في كل أنواع المآسي اليوم بما يشبه الجنون ... هذا هو الخيط الحزين الذي يربط بين الذين ماتوا في "سانت كاترين" من البرد، وبين الذين حكم عليهم بالسجن لأنهم طالبوا بالقصاص من قتلة خالد سعيد!
يا معشر الثوار، يا شباب ثورة يناير، أمامنا عمل كثير، وأمامنا مهمات جسام، لقد أفسد حكام مصر كثيرا من الناس، حتى فقدوا إنسانيتهم، والمطلوب منا الآن أن نعيد هؤلاء بشرا كما خلقهم الله أولا.
معركتنا هي معركة الوعي، قال تعالى : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وقد بدأ هذا التغيير بوجود ملايين الشباب الذين لا يقبلون الذل، ولا يرضخون للطغيان، وهم على استعداد لبذل كل غال ونفيس من أجل التغيير السلمي.
النصر قريب بإذن الله ...
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر