0
 استقبل نشطاء مصريون مقطع الفيديو الدعائي الذي طرحه حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم مؤخرا، ضمن حملته الدعائية للانتخابات البلدية المقررة في الـ30 من الشهر الجاري، مثنين عليه وعلى طرية مخاطبتهم لشعوبهم.
وينقلب سريعا هذا الشعور إلى ميل لعقد المقارنات بين قدرة أحزاب في تركيا على مخاطبة شعبها بأسلوب دعائي يمزج بين الإبهار السينمائي والخطاب السياسي، وبين أحزابا مصرية لازالت تطبع ملايين الملصقات الدعائية البدائية للمرشح وتقوم بلصقها على الجدران في مشهد يذكر النشطاء بالعصور الأولى التي عرفت فيها البشرية فنون الطباعة .
الإعلان الذي لم تتجاوز مدته ثلاثة دقائق، يبدأ بخطوات أقدام شخصية غامضة ترتدي قفازا أسود وتحاول تخريب صرح كبير يعتليه علم تركيا، فيبدأ العلم في التهاوى، وينعكس ظل تهاويه على وجوه الطلاب في المدرجات، والحلاق في محله، وربة المنزل في شرفتها، والطفلة الممسكة بيد والدتها، والمواطنون في محطات وسائل النقل، والمزارعون في أراضيهم.
بهذه المشاهد، أرسل الإعلان رسالة فنية شديدة اللهجة بأن “سقوط العلم سينعكس على ملامح كل طبقات الشعب التركي” .
الأمر الذي التقطه الشعب التركي، بحسب ما أورده مقطع الفيديو، وهب لإنقاذ علم بلاده قبل أن يمس الأرض؛ فخرج الطلاب من مدرجاتهم والفلاحون من مزارعهم والمواطنون من بيوتهم صوب الصرح الذي يحمل العلم.
وحول هذا الصرح، احتشد الأتراك وظل كل منهم يحمل الأخر على كتفه في محاولة للوصول للعلم المتهاوي دون أن يصر أحد على أن يكون هو البطل المنقذ ودون أن يئن أحدهم من اعتلاء الأخر لكتفه، وتشابكت الأيادي والأقدام لتكوين غطاء بشري على الصرح الذي يحمل العلم إلى أن نجح شابا في الوصول إلى القمة وتثبيت راية العلم خفاقة ليتمدد تحت ظلها كل الأتراك على اختلاف مرجعياتهم وأيديولوجياتهم السياسية.
بهذا المشهد ينتهي الإعلان، واللافت في الأمر هو احتفاء نشطاء مصريون به رغم أنه ناطق بالتركية وهي لغة ليست منتشرة في مصر.
هذا الإعلان جاء بعد اتهامات غير مباشرة من أوساط الحكومة لجماعة “فتح الله غولن” (الدينية) بالتغلغل “المستهدف” في القضاء والأمن، لتشكيل “دولة موازية”، والضلوع في عملية 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، التي جرت بدعوى مكافحة الفساد، وطالت أبناء وزراء وموظفين حكوميين، ورجال أعمال بارزين، فيما أكد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مرارا أن “العملية تعد مؤامرة ذات بعد خارجي، تتم تحت غطاء مكافحة الفساد، وتستهدف الحكومة ونهضة البلاد”.
صهيب شكري، ناشط سياسي مصري، قال في تدوينه على مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقا على الإعلان: “لو كانت الأحزاب الإسلامية في مصر تعي قوة الإعلام و تأثيره وأحسنت استغلاله لما وصلنا لما نحن فيه الآن”، فيما قالت الناشطة صفاء صلاح بلهجة ساخرة: “زي (مثل)عندنا بالضبط، يحترمون عقلية المواطن ويخاطبوه بلغة فنية راقية لإقناعه”.
أما الناشط ناصر إسماعيل، فقال: “الإعلان الدعائي يعمل على توحيد الشعب التركي خلف راية بلاده لتظل خفاقة، أما الإعلام المصري فقسم المصريين لإرهابيين و مواطنين شرفاء”.
بدوره، قال المخرج عز الدين دويدار، لوكالة الأناضول إن “إعلان حزب العدالة والتنمية نموذج لحالة الاحتشاد الشعبي الذي يحاول الحزب تكوينها في مواجهة ما يرى أنه “مؤامرات” تتعرض لها تركيا؛ وهي الرسالة التي “تمكن الإعلان من إيصالها للمتلقي بنجاح كبير”.
ومضى قائلا: “الصورة المستخدمة وموسيقى الإعلان نجحت في ترجمة الحالة التي يحاول الحزب الحاكم بثها في الشارع التركي؛ فالصورة بدأت بعكس حالة الخطر التي تمر بها البلاد من خلال كادرات متقنة بطيئة وشخصية غامضة تقوم بدور غامض غير مفسر في البداية ما يوحي للمشاهد بإحساس المؤامرة، ثم دقت الصورة ناقوس الخطر حينما أظهرت سقوط العلم التركي بشكل لاحظته كل عناصر الأمة التركية ما جعلهم يشعرون بدنو خطر النيل من وطنهم”.
دويدار أضاف أن “الإعلان حشد وجوها من الطبقات الاجتماعية المختلفة في تركيا بأعداد كبيرة وحركة حماسية تصور حالة الاحتشاد والوحدة، وجاء وجه الشاب الصاعد الذي نجح في إنقاذ العلم من السقوط ليوجه رسالة قوية عن الدور الذى من الممكن أن يلعبه شباب تركيا”.
ولأن الصورة هي البطل، بحسب دويدار، وصلت رسالة الإعلان للجميع بغض النظر عن اختلاف اللغة وهو ما يفسر احتفاء مصريين بالإعلان.
وفيما يتعلق بعدم لجوء القوى السياسية المختلفة في مصر للمزج بين الرسائل السياسية والإبهار الفني في إعلانات دعائية حديثة، قال دويدار: “هذا الأمر يخضع لتحكم عوامل عدة؛ فقبل الثورة (ثورة 25 يناير / كانون الثاني 2011) كانت مصر تعاني من حالة فقر فني وعزوف وانسداد سياسي لم يسمح لأي شخص أو جهة بتوصيل أي رسائل سياسية من خلال قوالب فنية”.
أما بعد الثورة، “بدأ الشباب محاولات لمخاطبة الشعب بهذه الحرفية، لكن في حدود الإمكانات المتاحة لهم في ظل غياب تام للكيانات التي من الممكن أن تنتج وتمول أعمال كهذه وتخصص لها ميزانيات مادية تسمح بنجاح المنتج في الدمج بين عناصر الإبهار البصري والرسائل السياسية المراد إيصالها”، على حد قول دويدار.
ولم ينسَ المخرج الشاب الإشارة إلى قصر الفترة الزمنية التي تمتعت فيها مصر بحرية التعبير السياسي والفني ما أدى لعدم اكتمال حالة النضح المطلوبة للإبداع والتجويد والإبهار؛ وكذلك حالة الضغط السياسي والإحتراب التي تعاني منها كل فئات المجتمع ومن بينها شباب المبدعين على عكس الحالة التركية التي تخطت هذه المرحلة الحرجة وتعمل الآن في حالة من البراح.
أما محمد عباس، عضو ائتلاف شباب الثورة سابقا (يضم حركات شبابية شاركت في ثورة يناير/كانون أول 2011 التي أطاحت بالرئيس الاسبق حسني مبارك)، فحمل في تصريحه للأناضول مسئولية بدائية الخطاب السياسي في مصر إلى القوى السياسية المختلفة.
وقال عباس: “يتحكم في الحملات الدعائية السياسية والانتخابية في مصر أصحاب العقليات العجوزة (الطاعنة في السن) وهم أسرى زمانهم الفائت وخبراتهم المحدودة، وأزمة كهذه لن نتجاوزها في مصر إلا بتمكين الشباب من إدارة المؤسسات المختلفة”.

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top