0
 سنوات حكم الرصاص".. هكذا يطلق الأرجنتينيون على السنوات الخمس التي قضتها البلاد تحت حكم قائد الانقلاب العسكري ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة 1976 وقاد خلالها مجازر وعمليات خطف وتعذيب واسعة بحق شعبه، وأوصل البلاد إلى وضع اقتصادي مزرٍ، وجرها إلى هزيمة عسكرية ساحقة، حتى تخلص الشعب منه وألقاه في السجن يقضي عقوبات متعددة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في زنزانته عام 2013.
إنه الديكتاتور الأرجنتيني جورجي فيديلا (خورخيه بيديلا - بالإسبانية)، الذي نفذ انقلابا عسكريا عام 1976 على رئيسة الأرجنتين "إيزابيل بيرون" التي تولت مقاليد البلاد بعد وفاة زوجها، حيث كانت النائب الأول له.
 
5 أعوام في الحكم.. 50 في السجن
 
ويعد الانقلاب العسكري بالأرجنتين واحدا من بين الانقلابات العسكرية الأكثر دموية، وهو ما جعل العديد من المنظمات الحقوقية والاجتماعية والإنسانية يعدونه درسا لكل شعوب العالم حول الانقلابات العسكرية وأثرها على الشعوب، كما يعدونه درسا لكل الطغاة وقادة الانقلابات، حيث حكم الجنرال قائد الانقلاب لمدة خمسة أعوام فقط وبلغ عدد سنوات السجن في حكم واحد على إحدى جرائمه 50 عاما، وظل حبيس زنزانته نحو 30 عاما حتى لفظ فيها أنفاسه الأخيرة.
وتوثق منظمات حقوقية خلال "حكم الرصاص" الذي استمر 5 أعوام قتل وتشريد واعتقال ما يقرب من 30 ألف شخص وامرأة وطفل، فالجنرال العسكري جعل عمليات خطف المعارضين في صلب سياسة الدولة المنهجية في ظل النظام العسكري الارجنتيني (1976-1981)، كما يسجل التاريخ أنه رغم هذا القمع الدموي ظلت الثوار والمعارضون يتحدون الحكم العسكري زهاء خمس سنوات رغم قتل واختفاء نحو 30 ألفا ونفي 500 ألف آخرين.
 
اختطاف أطفال المعارضين
 
ومن بين الجرائم البشعة التي قام بها قائد الانقلاب العسكري وحكم عليها بموجبها بـ 50 عاما في السجن قيامه بخطف حوالي 500 طفل من ذويهم ابان فترة الدكتاتورية ومنحوا بالتبني إلى مسئولين أو مقربين من النظام لتربيتهم كجنود له، وقد ظلت هذه القضية تؤرق الأرجنتين لأجيال لاحقة، حيث ظلت الأمهات يبحثن عن أطفالهن أعواما طوالا وقامت منظمات إنسانية بتعقب مسار الأطفال عبر الأسر التي استقبلت هؤلاء الأطفال لسنوات عديدة، ولم تفلح الكثير من الأمهات في إيجاد أبنائهن.
وكانت المرأة الأرجنتينية في صدر الثورة التي اطاحت بحكمه عام 1981 وأكثر من دفع الثمن بعمليات الخطف والاغتصاب الواسعة والحمل القسري لتربية جنود للعسكر موالين له بعد الولادة.
 
المختفون في قاع النهر
 
كما كان يلقى بالمسلحين بعد إخضاعهم لعمليات تعذيب من الطائرات والمروحيات في نهر (ريفر بلات) حتى لا يعثر على جثثهم على الاطلاق. 
وأطلق على هؤلاء المسلحين اسم "المختفين" – المفقودين-ومنذ ذلك الوقت دأبت أمهاتهم على انتظارهم وتنظيم حملات للعثور على أشلائهم أو مقابلة أحفادهن الضائعين 
لكن أكثر أوجه الديكتاتورية مأساوية تمثل في وحشية القمع المعمم المستوحى "عقيدة الأمن القومي" التي اخترعتها واشنطن التي ترى ان الأرجنتين وأمريكا اللاتينية مهددة بخطر "الشيوعية العالمية".
واعتبر العسكر كل من لم يؤيد صراحة الانقلاب عدوا وعرضوه للقمع، وهو ما جعل السواد الأعظم من القطاعات الاجتماعية ترزح تحت صنوف عديدة من التعذيب في ظل صمت متواطئ من جانب الطبقة السياسية.
 
نصف مليون منفي.. ونهب الثروة
 
وتتحدث مصادر متنوعة عن 000 500 منفي اضطروا إلى الهروب من البلد.
كان هدف انقلاب 1976 الصريح كبح تقدم الحركات الاجتماعية، وتحطيم أي نوع من المعارضة، وفي القطاع الصناعي، سعى العسكر الى تركيز سريع للثروة لجنرالاتهم.
وفي ظرف وجيز قاموا بتصفية ثلث جهاز الإنتاج – لا سيما المنشآت الصغيرة والمتوسطة الوطنية-مع انفتاح متسارع على الواردات. وبشكل مواز قاموا بإلغاء قسم مما حققه العمال من مكاسب في 50 سنة الأخيرة، نهاية الانقلاب جاءت بالتوازي مع الثورة ضده طوال 5 سنوات وأيضا للفشل الاقتصادي الذريع الناتج عن المنطق العسكري. انتقل الدين الخارجي الى أكثر من 45 مليار عند نهاية الدكتاتورية، وتضاعفت الديون 20 مرة تقريبا الى 160 مليارا.
ومذاك قامت دوامة جهنمية لأن الأرجنتين سددت خلال هذه الفترة 200 مليار دولار أي زهاء 25 مرة مبلغ ديونها في مارس 1976. ولا حاجة الى الإشارة الى أن قسما كبيرا من المبالغ المقترضة من الخارج في ظل الديكتاتورية لم تكن تصل الى حسابات بالأرجنتين بل تغذي استثمارات العسكريين بالخارج، ومجموعاتهم الاقتصادية والاليغارشية بواسطة آلية فساد يسميها الشعب "الدراجة المالية".
 
الهزيمة العسكرية.. وبصيص الأمل
 
اصطنع المجلس العسكري حربًا وطنية ضد بريطانيا على منطقة جغرافية متنازع عليها، وكان ينتظر من الولايات المتحدة مساندته في تلك الحرب، لكنها خلت به وساندت البريطانيين، مُني العسكر بهزيمة ساحقة وفقدوا مصداقيتهم للأبد.
وأخيرًا اضطر المجلس العسكري تحت وطأة الاحتجاجات المتنامية ومذلة الهزيمة العسكري إلى الاستقالة وترك الشعب ينتخب أول رئيس مدني له، وهو راؤول ألفونسين الذي صعد للسلطة عام ١٩٨٣.
الأرجنتين اليوم تختلف تماما عن هذا الأمس الكئيب، الأرجنتين الآن تتمتع بازدهار اقتصادي وهي ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وفي عام2012 نما الاقتصاد الأرجنتيني بنسبة 9%.
وتتمتع الأرجنتين بتصنيف عالٍ جدا في مؤشر التنمية البشرية، وتحتل المركز الخامس في مستوى الناتج المحلي الاسمي للفرد الواحد على مستوى دول أمريكا اللاتينية والأعلى في القدرة الشرائية.

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top