0
«ثلاجة للموتى».. هكذا تحول مسجد الإيمان في مثل هذا اليوم الذي يصفه البعض بـ«اليوم الأسود»، بينما يصفه آخرون بـ«يوم الخلاص من الإخوان» إلا أنه في كلتا الحالتين ترك علامة في ذهن كل فرد من رواد المسجد أو العاملين به أو المجاورين له، حيث استقبلوا المئات من جثامين متظاهرين تابعين لجماعة الإخوان المسلمين يوم فض رابعة خلال ساعات النهار، حيث يقع المسجد الصغير في قلب الحدث.

إحساس ثقيل يظهر على وجوه من  عند ذكر اليوم وما حدث سواء كان إمام المسجد أو العاملون به أو جيرانه. ترتبك العبارات ويتمتم البعض بأن اليوم كان مريرا ووصفه آخرون بـ«الأسود». دموع على الوجوه وتأكيدات بالأثر النفسى السلبى والصدمة التي تعرضوا لها، حتى إنهم وجدوا صعوبة شديدة لفترة كبيرة للاستمرار في العمل بالمسجد بعد ما شاهدوه من قتلى.

بعدما انتهى من أداء صلاة الظهر بالساحة الخارجية لمسجد الإيمان، الذي بات يغلق فور الانتهاء من كل صلاة، حاله مثل الكثير من المساجد بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، يقول صابر (تم تغيير الاسم بناء على طلبه) إنه لا ينتمى لتنظيم الإخوان إلا أنه تأثر إنسانيا مع ما حدث في ميدان رابعة الذي كان يعتصم فيه هو وذووه الذين يسكنون أحد الشوارع المحيطة بميدان رابعة العدوية. يضيف: «كنت أجلس في خيمة مكونة من 5 أفراد جميعهم لقوا حتفهم أمام عينى ولم أستطع حتى إسعافهم». وتابع: «هذا يوم أسود علينا جميعا. رأيت الموت بعينى ورأيت الكثيرين يفقدون أرواحهم من دون حول لهم ولا قوة».

«جثامين الموتى كانت متناثرة في كل الطرقات.. على سلالم مستشفى رابعة وداخل مسجده» يستكمل صابر حديثه، مضيفا: «حينما لم يعد هناك أي مكان للموتى على الأرض عملنا على تكفينهم وإرسالهم عن طريق سيارات إسعاف وأخرى ملاكى ودراجات نارية أيضا إلى مسجد الإيمان».

«المسجد تحول إلى ثلاجة يتوافد عليها مئات الجثامين بين الحين والآخر، كل مكتوب على كفنه هويته». يعتبر شاهد العيان أن ما حدث في ذات اليوم «جريمة لا تغتفر». وقال: «تأثرت نفسيا لفترة كبيرة من كثرة الموتى الذين رأيتهم.. وهناك صورة لا تذهب من ذهنى قط وهى أم توفيت حرقا وهى تحتضن طفلها، حتى الآن لا أستطيع المرور من ميدان رابعة لأنه يذكرنى بهذا اليوم المأساوى وأتمنى لو كنت توفيت مع أصدقائى».

يتابع: «اختلفت مع سياسة مرسى كثيرا ولكنى كنت أفضل أن يجرى السيسى استفتاءً على استمرار مرسى من عدمه، ولا أهتم حتى إن تم تزوير نتائجه إذا كان هذا سيحقن دماء المصريين. أشعر أن ما حدث كابوس أسود، ولا أصدق أن الجثث التي شاهدتها وقعت بالفعل في وطنى وعلى يد مصريين»، مؤكدا أن «الحال أصبح أسوأ من ذى قبل وكل شىء ارتفعت أسعاره، والكهرباء مستمرة في الانقطاع أكثر مما سبق، وارتفعت أسعار البنزين والسولار وغيرهما ولن يستطيع أي شخص أن ينطق حرفا».

خارج المسجد تجلس سيدة عجوز أمام البوابة على كرسى من البلاستيك وتضع أمامها طاولة صغيرة تبيع عن طريقها مناديل، تقول «أم سماح» التي تبيع بضاعتها البسيطة في المنطقة «كل ما أتذكره من هذه الأحداث هو أننى ظللت بلا عمل لمدة 38 يوم بسبب إغلاق المنطقة». تتابع: «بعد ما شالوا الجثث غيروا سجاد الجامع ودهنوا الحيطان وأصلحوا كل ما أفسده وجود الجثث».

يجاور «أم سماح» شاب في أواخر العشرينيات من العمر. يقول: «كان يوما مريرًا». يتذكر قائلا: «مع قدوم أول جثة من رابعة إلى المسجد، استقبلها الخادم وطلب من الإمام السماح له بإدخال الجثة للمسجد، وكان رد الإمام بالقبول؛ لأن الرحمة بتقول نفتح المسجد، ومن ثم تم فتح المسجد ودخلت الجثة الأولى لتتوافد مئات الجثامين بعدها حتى الساعات الأولى لصباح اليوم التالى».

يضيف: «تانى يوم فض الاعتصام وجدت المسجد أشبه بالمدرسة التي يعلن بها نتيجة الامتحانات، حيث احتشد العديد من الأشخاص أمام جداول ملصقة على الجدران الخارجية للمسجد تحمل أسماء الجثامين الموجودة داخل المسجد، ووفقا للجدول أذكر أنه كان عدد الجثامين 400». وتابع: «هى أحداث ويوم لا ينسى.. سيظل محفورًا بذاكرتى مثل تاريخ ميلادى».

وبينما يأخذ من أمام المسجد ساحة لعرض فاكهته يقول محمد محمود «أعمل هنا منذ عدة سنوات، ولكن من سنة وفى مثل يومنا هذا اضطررنا للتعطل عن العمل وتوقف أكل عيشنا لمدة 14 يوم حتى تم إصلاح المسجد»، معتبرًا أن «الدنيا أصبحت أفضل وكل شىء زى الفل.. بس يا رب ما تتعملش مظاهرات مرة تانية ويوقفوا حالنا».

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top