0
استنكر الدكتور عصام  تليمة (العالم الأزهرى، وعضو حركة علماء ضد الانقلاب)، ما قاله الدكتور راغب السرجانى حول طاعة الحاكم الظالم، مؤكدا احترامه الشديد للسرجانى وللعلماء، مستشهدا فى كلامه بأن ميزان الفقيه يختلف تماما عن ميزان الباحث، مبينًا اعتراضاته على ما ذهب إليه "السرجانى" من الكتاب والسنة، وهذا نص الرد:
بداية مع كامل تقديرى للدكتور راغب، وكل صاحب طرح فى هذه الآونة، إلا أن كثيرا منهم يقع فى خطئ علمىٍّ كبير، حين يخرج من إطار الدعوة إلى إطار البحث العلمى، فالدكتور راغب رجل معنى بدراسة التاريخ، وهذه الدراسة لا تؤهله إلى تناول أحكام فقهية، ولا الغوص فى نصوص من القرآن والسنة، خارجا منها برأى علمى فى الفقه السياسى، فأدوات الداعية والمؤرخ غير أدوات الفقيه والباحث العلمى تماما، وشتان بينهما فى الأدوات، والعمق، والتناول، مع أهمية دور كل منهم، لكن كفة الفقيه والباحث أثقل وزنا، وأعمق؛ لأنه يزن بميزان علمى ليس سهلا، وهو ما لا يدركه عامة الناس للأسف، فربما تلقفوا رأيا واهتموا به، بينما صاحبه لا يعول عليه فى باب الفقه، والبحث العلمى الشرعى.
فمن الأمور التى نأخذها على الدكتور راغب هنا، هو دخوله فى حلبة الأحكام الفقهية، وهو يقينا ليس فارسا فيها، ولا أظنه يوما ادعاها، فمن ذلك خلطه فى مقاله بأن هناك فرق فى موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الظالم الكافر، ومن الظالم المسلم، ففى الأول جاهد ضده جهادا بالسيف، وفى الآخر، اكتفى الأمر بالصبر عليه، والسمع والطاعة له، وهو كلام ينطوى على مغالطات كبيرة، وجهل صارخ بنصوص القرآن الكريم والسنة، فلو أن الدكتور راغب كلف نفسه عناء البحث ـ لا أقول فى كتب الفقه والتفسير، لكن يكفيه أن يعود لكتاب واحد هو "زاد المعاد" للإمام ابن القيم، والذى قسم الجهاد إلى ثلاث عشرة مرتبة، منها ثلاثة فى جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات باليد، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه. انظر: زاد المعاد (3/9-11).
فالدكتور راغب يخلط بين القتال بالسلاح، والجهاد، القتال يا عزيزى لون من ألوان الجهاد، الجهاد هو بذل كل جهدك فى مقاومة الظلم، سواء كان ظلما من كافر أم من مسلم، والعجيب أن من يطالب الناس بالسمع والطاعة لهذا الظالم مثلا، ينسى أن الحديث بين أنهم شرار الخلق، وأنهم شياطين فى ثوب إنس، فهل اعترفتم بداية بظلمهم، وأنهم شياطين، عملا بنص الحديث الذى وصفهم بذلك؟!!
وبنظرة علمية للنصوص التى يستند إليها دعاة السمع والطاعة للحاكم وإن كان ظالما، من مثل قوله - صلى الله عليه وسلم- فى الحديث عن أبى سلام، قال: قال حذيفة بن اليمان: قلت: يا رسول الله، إنا كنا بشر، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: «نعم»، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: «نعم»، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: «نعم»، قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداى، ولا يستنون بسنتى، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين فى جثمان إنس"، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع".
 وهو الحديث الذى ساقه الدكتور راغب ويسوقه غيره، فالزيادة التى فى الحديث: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع" فقد حكم عليها الإمام الدارقطنى بالإرسال.
وأما استشهادهم بحديث: من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية"، وغيرها من النصوص فى هذا السياق، التى يتم الاستشهاد بها من المانعين لمعارضة الحاكم، والخروج الشرعى عليه عند ظلمه، وتركه العدل بين الرعية، من أحاديث الصبر على الأمراء، وطاعة الأمراء.
 ناسين أن مصطلح (الأمير) فى عهد النبوة مقصود به أمير الجيش، وقائد القتال، وليس الوالى والعامل، ورئيس الدولة، ولطاعة أمراء الحرب فى القتال مقتضيات ومقاصد وآليات مختلفة تماما عن شورى ومراقبة ومعارضة الحاكم فى شئون السلم والعمران.
 فـ لميدان الحرب أحكام تختلف تماما عن أحكام السلم، وهذه الأحاديث تتكلم هنا عن حالة الحرب التى تحتاج فقها آخر، يكون فيه الناس أكثر صبرا على مخالفات أمرائهم؛ لأنهم فى مواجهة عدو، وفى صفوف قتال.
 ولذلك نص الفقهاء على أن الحدود لا تقام فى الحرب، أما أمراء السلم، فيجب أن يكونوا باختيار الأمة، ويجب على الأمة أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر عند وقوع ما يخالف الشرع؛ بل حتى أمير الحرب التى وردت النصوص فى طاعته، تكون طاعته فى المعروف، أما فى المعصية، فلا.
 ومن ذلك: أن أميرا فى الحرب أمر من معه بأمر، فلم يطعه أحد منهم، فأوقد نارا، فقال لهم: ادخلوها، ألم يأمركم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسمع والطاعة لى؟! فقالوا: والله ما آمنا به إلا لنخرج منها، فلما عادوا إلى المدينة وقصوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما حدث، قال: "أما إنهم لو دخلوها ما خرجوا منها" وقال فى حديث آخر: "إنما الطاعة فى المعروف".
ومع ذلك، فإن نصوصا نبوية أخرى تحدثت عن حدود هذه الطاعة، ومتى يجوز الخروج عليها، فقالت: (إلا أن تروا منهم كفرا بواحا) قال الإمام النووى: المراد بالكفر هنا المعصية. (انظر: نيل الأوطار للشوكانى (7/361).
إن النصوص التى يستشهد بها الدكتور راغب، وغيره من هذه المدرسة، تعرض إسلاما، يقف بكل قوته بجانب الظالم، ويحميه بكل ما يستطيع، سواء أراد ذلك الدكتور راغب أم لم يرد، فإن دينا يحمى الظالم، فيقوم هذا الحاكم بقتل الناس، واغتصاب النساء، وسفك الدماء بدمٍ باردٍ، وسجن المواطنين وتشريدهم، ثم المطلوب من المظلومين هو الصبر، وهو ما سماه بعض الفقهاء: صبر الحمير!! بل يغالى بعضهم، فيزيد ألا تدعو على الظالم، بالله عليكم أليس هذا بابا للدعوة للإلحاد والكفر بالإسلام، هذا الدين الذى يحمى الظالم من كل اتجاه، ولا يقف إلا مع من يمتلك أدوات القوة المستخدمة فى الظلم، وليس للمظلومين المساكين إلا أن يقولوا: لك السمع والطاعة علينا، وكل ما يملكه هؤلاء أن يختاروا طريقة قتلهم، والمغتصبة تختار الطريقة الأرحم لها فى الاغتصاب، والمعذب يتحلى بالصبر، وحبذا لو صرف له الظالم حبوب (صراصير) أو (هلوسة)، حتى يتقوى على التعذيب، ويا ليت لو صلى، ودعا للظالم بالهداية، وأن يعينه الله على هذا الشعب الصابر المظلوم؛ كى يستطيع أن ينكل أكثر وأكثر بهم.
 هل هذا هو الإسلام، الذى جعل الله الدفاع عن المستضعفين والمظلومين فى درجة الجهاد فى سبيل الله؟ يقول تعالى: "وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان" النساء: 75. فعطف الله هنا الدفاع عن المستضعفين مع الجهاد فى سبيل الله فى درجة واحدة.
والعجيب أن الدكتور راغب ومن يرى رأيه، يستشهد بحديث صحيح مسلم الذى ذكره، من الطاعة للظالم وإن جلد ظهره، وأكل ماله، ولا يستشهدون بحديث آخر فى صحيح مسلم، يتحدث عن التعامل مع الظالم، وأن الرضا به وبيعته لا يرضاها الشرع، قال -صلى الله عليه وسلم- فى الحديث المروى فى صحيح مسلم: "سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضى وبايع". أى أن الوزر مرفوع عمن كره وأنكر، ولكنه ليس مرفوعا عن من رضى بهم وبايعهم.
وبالطبع كل هذه النصوص وردت فيمن جاء ببيعة وانتخاب صحيح، وليس بانقلابٍ عسكرىٍّ، اغتصب فيه الحكم وألغيت إرادة الأمة، وقهر الناس، واغتصب النساء، وقتل الشعب، هذا له حكم آخر معروف، وهو مجاهدته بكل ما تستطيع الأمة، وحكمه معروف أنه شرعا مهدر الدم، بإجماع العلماء، فمن جهة اغتصابه للسلطة؛ فهو مهدر الدم، ومن جهة قتله للناس؛ فهو القصاص، ومن جهة اغتصاب النساء؛ فحده القتل، فعلى أى وجه قلبت الرأى يا سيدى؟! أنت تتحدث عن حالة غير ما تكلم عنه الفقهاء، الفقهاء تحدثوا عن حالة الحاكم المنتخب المبايع من الشعب، عند ورود الظلم عليه، ما الموقف منه؟ الموقف هو القيام بواجب النضال، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر؛ حسب استطاعة الناس، ووفق قدرتهم، ووفق المعطيات التى تتاح لهم شرعا، نضالا سلميًّا، بكل ما أمكن الأمة، وهو ما نصر عليه، ونتمسك به، وفق ما يأمر به الشرع الإسلامى الحنيف.
خاتما رده بأن "هذا نقاش سريع لما ورد فى مقال الدكتور راغب السرجانى، وهو كلام ورد فى مقالات الآخرين، فهو رد على كل هذه الآراء مع تقديرى لنوايا كل صاحب نية حسنة، ولكن النية الحسنة لا تغنى عن بيان الموقف العلمى فيما ذهبوا إليه".

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top