عن الشاعر المستبصر المنسي رياض الصالح الحسين الذي تنبأ بخراب سوريا - الصورة" دوما - ارشيف
صادمة هي الصورة التي رأى فيها الشاعر السوري الكبير "رياض الصالح الحسين" سوريا قبل 32 عاما...
كثيرون
من أبناء جيلينا لم يسمعوا باسمه رغم أنه كان رائدا من رواد قصيدة النثر
في العالم العربي، وعلى سيرة العظماء الذين يرحلون باكرا، كالفنان الهولندي
فان كوخ 37 سنة، والموسيقار العظيم شوبان 39 سنة، والشاعر طرفة بن العبد
26، سنة وابن المقفع 36 سنة" رحل رياض شابا يافعا في الثامنة والعشرين من
عمره، كان ذلك يوم 21/11/ 1982.
كان ذلك قبل 32
سنة، رحل شاعرنا بعد معاناة مع المرض، رحل مصابا بالصم والبكم، وفي آخر
أيامه ذهب بصره وتعطلت كليتاه، رغم سوداويته بقي لديه أمل. معاناته ظهرت
جلية في شعره العذب الذي عكس ثقافة مدهشة لشاب صغير، قصائد تملؤها الحكم
والفلسفة البساطة والسلاسلة، كان شعره "بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس" لا
تكاد قصيدة منها تخلو من المتناقضات، نلمس فيها صدى الموت والحياة،
الأسطورة والواقع، الحرب والسلام، الحفلة والمقبرة، الحب والكره.
كتب
كثير من النقاد عنه محاولين إنصافه، لكن أيا منهم لم يسلط الضوء على شعره
السياسي الذي ضمنه في قصائده خوفا من الرقيب الأمني، ومع ذلك لم يسلم منه،
لم يذكر النقاد كيف رأى هذا الشاعر المستبصر سوريا، كيف تنبأ بخرابها، في
دواوينه الأربعة (خراب الدورة الدمويّة 1979، أساطير يوميّة – 1980، بسيط
كالماء واضح كطلقة مسدَّس 1982، وعل في الغابة 1983) تجلت روحه المتمردة
الثائرة المجنونة على كل شيء، لكن بين سطور قصائده كان يقرع ناقوس الموت
والدمار والخراب القادم، في ثالث دواوينه تتجلى الصدمة ابتداء من اسم
الديوان ثم في تقديمه لديوانه باستشهاد بشاعر مصري قديم ثم بقصيدته "سورية"
التي يقال إنها أدت إلى اعتقاله لفترة..
اسم الديوان: "بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدَّس"
التمهيد لشاعر مصري قديم:
لمن أتحدَّث اليوم
الإخوة أشرار
والأصدقاء ليسوا أصدقاء حب.
لمن أتحدَّث اليوم
القلوب قلوب لصوص
وكل رجل يغتصب ما عند جاره)
لنقرأ قصيدته "سورية"
يا سورية الجميلة السعيدة
كمدفأة في كانون
يا سورية التعيسة
كعظمة بين أسنان كلب
يا سورية القاسية
كمشرط في يد جرَّاح
نحن أبناؤك الطيِّبون
الذين أكلنا خبزك و زيتونك و سياطك
أبدًا سنقودك إلى الينابيع
أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء
و دموعك بشفاهنا اليابسة
أبدًا سنشقّ أمامك الدروب
ولن نتركك تضيعين يا سورية
كأغنية في صحراء.
ماذا لو كان هذا الشاعر البصير بيينا اليوم؟ ماذا كان ليكتب؟ هو الذي صرخ في الـ 26 من عمره:
عمَّ أتحدَّث بعد ستة و عشرين عامًا
أو بعد ست و عشرين طلقة في الفراغ؟
لقد تعبت من الكلام و الديون و العمل
لكنِّي لم أتعب من الحريَّة
...
غرفة صغيرة وضيِّقة ولا شيء غير ذل
هو الذي صرخ:
ومنذ أن ولدت بلا وطن
ومنذ أن أصبح الوطن قبرًا
ومنذ أن أصبح القبر كتابًا
ومنذ أن أصبح الكتاب معتقلاً
ومنذ أن أصبح المعتقل حلمًا
ومنذ أن أصبح الحلم وطنًا
بحثت عن غرفة صغيرة و ضيِّقة
أستطيع فيها التنفُّس بحريَّة.
..
رياض
الصالح الحسين المستبصر الذي تنبأ وهو على فراش عذابه وموته بخراب وطنه،
وقص علينا رؤيته في آخر دواوينه في قصيدة " نتفق أو لا نتفق"، رأى الدم
يملأ غرفته وسريره ومكتبته، وغرفته في أشعاره كانت وطن، هو الذي حلم
"بأشلاء الأطفال تتطاير" والرصاص سيد الموقف والحلول يقول :
نحن متفقان:
الحياة جميلة
والناس رائعون
والطريق لم تنته
ولكن انظر إلي قليلاً
فإنني أتألم
كوحش جريح في الفلاة
نحن متفقان إذًا
الربيع سيأتي طبعًا
والشمس ستشرق كل صباح
و في الصيف سيجني الفلاحون القمح
الربيع يكفينا
والشمس ايضًا
والقمح إذا أردت
لكن قل لي:
لماذا يملأ الدم
غرفتي و سريري و مكتبتي؟
ولماذا أحلم دائمًا
بطفل متطاير الأشلاء
ودمية محطّمة
ورصاصة تئز؟
...
هو
الذي تنبأ قبلها في ديوانه " أساطير يومية" بأن راعي البقر المكسيكي ويقصد
"أميركا" ستلعب البوكر في "داريا" في ريف دمشق، وستقامر بحياة بلد وشعب،
وأخبرنا عن خبايا التحالفات وأسرار العلاقة بين طهران وأميركا:
يقول في قصيدة بعنوان "بعد 3 أيام"
راعي بقر مكسيكي
يمتطي دبَّابة سمينة
أسنانه في نهد خطّ الاستواء
وأصابعه تلعب البوكر في داريا
جزمته في طهران
ودماغه في واشنطن
راعي بقر مكسيكي
أطلق قذيفة واحدة
فأصاب ثلاث عائلات
الأولى: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثانية: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثالثة: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
راعي بقر مسكيكي
أطلق قذيفة واحدة
فثقب قلبي من ست جهات
شحذت سكِّيني ببرود
أيُّها الراعي... أيُّها الراعي
تعال لأحبَّك!
من يصدق أن هذه القصيدة كتبت قبل أكثر من ربع قرن، لم تنته الرؤية هنا، فها هو يكملها في قصيدة "حرب حرب حرب" قائلا:
تحت قبَّعة الجنرال قرىً مصمصت عظمَ أطفالها
ويدين تقطَّعتا
وأرى تحت قبَّعة الجنرال:
دمًا ساطعًا
وجماجمَ مكسورة تتهجَّى حروف
وفي كل حرف مشاريع من حلم فاسد
وأرى تحت قبَّعة الجنرالات
مشروع حرب على الزهر
مشروع حرب على النهر
مشروع حرب على الفقراء
وبين يدين تقطَّعتا
يهرب العاشقون من العشقِ
لكنَّها الحرب تأتي بهيئتها الحشريَّة
تدخل من ثقبِ بابٍ
ومن ثقبِ نافذةٍ
تتناسل في حانة – صحف – كتب
تتناسل في جثث العاشقات
ثمَّ تنده للقاتلين: "استريحوا... استريحوا"
وتطعمنا البؤس و الطلقات
هاهو الآن يقرع ناقوس الموت قبل أن يأتي في قصيدته "إنها تقترب" صارخا:
هي ذي تقترب كسفينة محمَّلة بالجثث
الساعة ذات الرقَّاص الرتيب تؤكِّد على ذلك
النهار ذو الشمس المنهكة يوكِّد على ذلك
والبيوت المتراصَّة كعيدان كبريت في علبة صغيرة
تؤكِّد على ذلك
وأنا أؤكِّدُ لكم
أنَّها تقترب كسمكة قرش مريعة
إنَّها تقترب كقنبلة معطوبة
ومعها يقترب كل شيء من كل شيء
اللحم من السكِّين
المدافن من الجثث
والنار من زجاجة بنزين سريعة الاشتعال
إنَّها تقترب
إنَّها تقترب
ساعة الذهاب إلى الموت باطمئنان
وحزن شديد
قال
رياض الصالح الحسين الكثير في دواوينه، ويمكن قراءة المزيد في دواوينه
المنشورة على الشبكة العنكبوتية لمن رغب بالاستزادة، وهو شاعر يستحق أن
تقرأ أعماله بشغف...
في ذكرى رحيله ال 32 سنة، صارت سورية
التعيسة عظمة بين أسنان الكلاب، لكني بانتظار وعده لنا بأن أبنائها الطيبين
سيغيرون خارطة الموت الذي يدخل عامه الرابع:
"نحن أبناؤك الطيِّبون
الذين أكلنا خبزك و زيتونك و سياطك
أبدًا سنقودك إلى الينابيع
أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء
ودموعك بشفاهنا اليابسة
أبدًا سنشقّ أمامك الدروب
ولن نتركك تضيعين يا سورية
كأغنية في صحراء".
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر