0

كتبه لمفكرة الإسلام/ السيد أبو داود

كثيرًا ما خرجت رؤى وتحليلات من نفر غير قليل من المثقفين العرب تحذر من أن امتلاك إيران للسلاح النووي إنما هو لخدمة المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة العربية، وليس كما تدعي إيران أنه إضافة إلى رصيد وقوة الأمة.

 

ولكن كانت النتيجة أن غالبية الأمة العربية لم تكن تصدق هذه الرؤى والتحليلات والتحذيرات، وكان قطاعًا كبيرًا من الأمة مخدوعًا ومصدقًا للدعاية الإيرانية والشيعية التي تسوّق لمقولات وحدة الأمة، ووقوف إيران ضد المشروع الصهيو – أمريكي.

 

ويساند هؤلاء الموقف الإيراني على اعتبار أن إيران دولة إسلامية، فلماذا لا يسمح لها بامتلاك السلاح النووي، في الوقت الذي يتم السماح للكيان الصهيوني بامتلاك ترسانة نووية تهدد العرب والمسلمين؟

 

ويعتقد هؤلاء أن القنبلة النووية الإيرانية سترعب الصهاينة، وستعيد توازن القوى في المنطقة العربية، وستجعل الصهاينة يفكرون جيدًا قبل استهداف الداخل الفلسطيني واللبناني أو أية دولة عربية.

 

ويقول هؤلاء إن إيران لها مواقف مسبقة في دعم الجهاد الفلسطيني بالمال والسلاح، وكذلك دعم "حزب الله" في صراعه مع الصهاينة، فلماذا نستكثر عليها أن تكون قنبلتها النووية في صالح القضايا العربية والإسلامية؟

 

وقد بنى هؤلاء موقفهم على أساس أن كل ما هو ضد الكيان الصهيوني فإنهم يؤيدونه ويدعمونه ويقفون بجانبه، لأن أي نجاح لإيران سيعتبر خصمًا من إمكانات بني صهيون ومن يواليهم ويدعمهم بكل أشكال الدعم.

 

ولهؤلاء نقول إنه ليس بمجرد دوي الشعارات وحلاوة الجمل الإنشائية، لا نلتفت إلى من يهدد أمن العرب ووحدتهم ويشق وحدة المسلمين، بل ويتآمر مع أعداء الأمة ويعقد الصفقات المشبوهة معهم.

 

وأظن أنه بعد التطورات المهمة في الملف النووي الإيراني، والاتفاق الأخير بين إيران والدول الغربية، وبعد أن اجتاح الحوثيون اليمن، وبعد أن استشعرت الدول الخليجية الخطر الإيراني التوسعي الذي يريد أن يبتلعها جميعًا، بعد ذلك كله، يمكننا أن ندعي بأن الأمة باتت مهيأة الآن لكي تصدق أن السلاح النووي الإيراني المنتظر ليس في صالح العرب والمسلمين، وإنما هو في صالح حماية الأطماع الإيرانية والتوسع الإقليمي في المنطقة، وهذا كله ليس إلا على حساب الدول العربية.

 

لقد كان صاحب هذه السطور – مثل قطاع كبير من الكتاب والصحفيين والمثقفين العرب والمسلمين - ينادي بضرورة نسيان الخلافات العقائدية والمذهبية بين السنة والشيعة وضرورة تقديم المصالح العامة للأمتين العربية والإسلامية ضد الأطماع التي تحيط بها، ولكن بعد التعاون الإيراني مع أمريكا في أفغانستان وتسهيل الاحتلال الأمريكي الغربي لبلاد الأفغان، وبعد التواطؤ الإيراني الشيعي مع المحتل الأمريكي في العراق، والذي كانت نتيجته تسليم بلاد الرافدين لإيران وأتباعها المتطرفين من الشيعة الطائفيين المتعطشين لدماء السنة، وبعد تهميش السنة وارتكاب أبشع الجرائم في حقهم، وبعد التواطؤ الإيراني مع نظام بشار العلوي النصيري ودعمه بالغالي والنفيس ضد الثورة السورية التاريخية ومنع هذه الثورة المباركة من تحقيق أهدافها، وبعد أن تأكد الجميع بأن "حزب الله" أصبح دولة داخل الدولة اللبنانية .. بل أصبح أقوى من الجيش اللبناني ومن الدولة اللبنانية نفسها، وبعد اجتياح الحوثيين لليمن وجرائمهم ضد وحدته وضد السنة بشكل عام ... بعد كل ذلك توجهت لدراسة عقيدة الشيعة بشكل تفصيلي وتاريخهم، وخاصة التاريخ الصفوي، فتبين لي بشكل قاطع مدى خطورة الأمر، وأنه لا وجه على الإطلاق لوحدة بين السنة والشيعة لأن ما يفصل بين الطرفين بحار ومحيطات شاسعة يستحيل عبورها، لأن الشيعة أسسوا لأنفسهم دينًا مختلفًا تمامًا عن الدين الذي جاء به رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).

 

وعليه، فإن البرنامج النووي الإيراني مثل البرنامج النووي الصهيوني هما على درب واحد، لأننا نختلف مع الشيعة في العقيدة كما نختلف مع اليهود, فاليهود يبيحون قتل أطفال المسلمين والشيعة كذلك في كتبهم وعقائدهم يبيحون قتل أطفال السنة، ومن نواقض الوضوء عند الرافضة لمس المسلم السني، أما لعق الخنزير فيكفيه الغسل!!

 

إن إيران تنطلق من رؤيتها لدورها في المنطقة العربية على أساس إمبراطوري أو شبيه بالإمبراطوري من خلال مشروع الهلال الشيعي، فقد بدأت في التفكير في هذا المشروع التوسعي على حساب الدول العربية مع نجاح الثورة الإيرانية عام 1979م، وقد أعلنت الثورة في بدايتها أنها ثورة إسلامية وطرحت أطروحات سياسية وفكرية وثقافية غير طائفية لتسوق نفسها في العالم الإسلامي، ولكن بمرور السنين ظهرت الناحية المذهبية واضحة. فالملمح المذهبي كان مستترًا وراء معارك الثورة الإيرانية ولم يظهره الإيرانيون إلا بعد أن ثبتت الثورة أقدامها وبعد الهدوء على الساحة الإيرانية وبعد أن خفت حدة المعارك مع الولايات المتحدة وأوروبا.

 

هناك حلم فارسي إمبراطوري قديم كان الشاه يجسده بشكل مباشر، ويقوم هذا الحلم على محاولة بناء إمبراطورية. لكن كانت هناك عدة أمور تحول دون تحقيق هذا الحلم منها أنه كانت هناك دولة كبرى (هي الاتحاد السوفيتي) على حدود إيران، كما إن المنطقة العربية كانت متماسكة إلى حد ما، بالإضافة إلى وجود ثلاثة دول قوية ويحسب لها حساب في المنطقة وهي تركيا ومصر والكيان الصهيوني، وكان الحلم الفارسي يصطدم بهذه الدول.

 

ومع قيام الثورة في إيران ظلت هذه الأحلام تعمل تحت السطح، فالقادة والمدراء وجهاز الدولة الأساسي لديه هذا الحلم التوسعي، وكنا نأمل أن تختفي الفكرة الإمبراطورية الفارسية مع سيادة النموذج الإسلامي، لكن الملاحظ أن المصلحة الوطنية الفارسية تفوقت على الاتجاه الإسلامي.

 

ولو قلبنا صفحات التاريخ، وعدنا إلى الخلف، وتحديدًا في عهد الدولة الصفوية، لوجدنا أن هذه الدولة الشيعية كانت عدوة للدولة العثمانية السنية ودخلت ضدها كثيرًا من الحروب، وتعاونت مع الفرنجة ضدها، ولو كان السلاح النووي مع الدولة الصفوية لضربت به الدولة العثمانية، ولما استطاعت أن ترفعه في وجه الفرنجة. والمؤكد أن السلاح النووي الإيراني خطر على دول الخليج والعراق وسوريا ومصر، وليس خطرًا أبدًا على الكيان الصهيوني.

 

وكان من الطبيعي أن تثير سياسة الصفويين ومؤامراتهم، الدولة العثمانية السنية التي كانت في أوج قوتها، وكانت تدافع عن ديار الإسلام، وتقاتل أعداءه من الصليبيين على عدة محاور: روسيا، والنمسا، وإيطاليا، وفرنسا، وإنكلترا، والبرتغال، والكل يحقد على هذه الدولة. وفي الوقت الذي كان العثمانيون يقومون فيه بحصار بعض دول أوروبا تمهيدًا لفتحها، كانت سهام الصفويين تنطلق باتجاه الدولة العثمانية، وتشغلها عن متابعة فتوحاتها، وعمد الصفويون إلى احتلال بعض البلدان التابعة للعثمانيين كالعراق، وعقدوا تحالفات مع الدول الأوروبية ضدها، الأمر الذي جعل الصدام بين العثمانيين والصفويين أمرًا لا مفر منه، وتعتبر معركة "كالديران" سنة (920هـ - 1514م) أكبر المعارك بين الطرفين وانتصر فيها العثمانيون انتصارًا كبيرًا، غير أنه لم يقض على الصفويين قضاءً نهائيًا، فأعادوا تنظيم صفوفهم خاصة أن المنية عأجلت السلطان العثماني سليم الأول. وتسببت المؤامرات الصفوية ضد العثمانيين بأمرين خطيرين:

 

الأول: إعاقة الفتوحات الإسلامية لأوروبا، ذلك أن العثمانيين كانوا يضطرون لوقف حصارهم للمدن الأوروبية، والعودة لتأمين حدودهم مع الصفويين، واسترجاع ما كان يستولي عليه الصفويون من بلاد.

 

الثاني: أن التحالفات التي عقدها الصفويون مع الدول الأوروبية والتسهيلات التي منحوهم إياها شكلت بداية عهد الاستعمار، والوجود الأوروبي في بلاد المسلمين.

 

وإذا عدنا إلى اتفاق "لوزان" الأخير بشأن الملف النووي الإيراني، لوجدنا أنه يصب في مصلحة إيران، وعلى رأس المكتسبات إزالة العقوبات المفروضة عليها، كما احتفظت إيران بحقها في تخصيب كمية كبيرة من اليورانيوم، إلى جانب رفع العقوبات والقيود الاقتصادية عنها، فرفع العقوبات الدولية سيؤدي إلى انفتاح الاقتصاد الإيراني على أسواق جديدة في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، وزيادة حجم المبادلات التجارية مع دول مثل الصين، وارتفاع كبير في صادرات النفط الإيراني، فالعقوبات كانت تعيق الاستيراد والتصدير، وتمنع التعامل مع البنك الإيراني الحكومي "سيباه"، وعدة شخصيات وشركات، أغلبها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

 

اتفاقية "لوزان" تصب في مصلحة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في الوقت ذاته، فالاتفاقية احتفظت بحق أمريكا في التفتيش على المنشآت الإيرانية، وهو ما يعني بشكل آخر أن الكيان الصهيوني أصبح قريبًا جدًا من المنشآت النووية الإيرانية وبإمكانه التفتيش على هذه المنشآت، حيث أن الوفد الأمريكي يعني من باب آخر الوفد الصهيوني.

 

وبالنسبة للحملة الإعلامية التي يشنها الكيان الصهيوني ضد إيران وبرنامجها النووي، فإن هذا كله نوع من العبث، إذ إن الاتفاق لا يمثل أي ضرر على الكيان الصهيوني، فإذا امتلكت إيران السلاح النووي، فإنها لا تجرؤ على استخدامه ضد الصهاينة الذين يمتلكون 200 قنبلة نووية، والغضب الصهيوني نابع من رغبة  الكيان في الانفراد بالتكنولوجيا النووية في المنطقة.

 

لقد كانت العلاقات الإيرانية الصهيونية قوية على الدوام، وما الحملات الإعلامية المتبادلة إلا ذرًا للرماد في العيون، وإبعادًا للأذهان عن الحقيقة المرة وهي أن الطرفين متفقان. ففي الستينات قام الكيان الصهيوني بتسليح شاه إيران، وعقد اتفاقيات أمنية موسعة بين الموساد الصهيوني والسافاك الإيراني، كما كانت إيران هي المصدر الرئيسي لواردات النفط الصهيونية، ولا سيما أثناء حربي (1967م و1973م). وأصبح الآن في حكم المؤكد، كما أظهرته الوثائق التي تم كشفها في وسائل الإعلام العالمية، أن جسرًا من الأسلحة كان ينقل إلى إيران من أمريكا عبر الكيان الصهيوني، ما تحتاجه إيران من أسلحة، منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية (1979م – 1988م) إلى نهايتها، وقد اعترف الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر، في مقابلة له مع صحيفة "هيرالد تريبيون" الأمريكية في 24 أغسطس/آب 1981م، بأنه علم بوجود علاقة بين إيران والكيان الصهيوني و أنه لم يكن يستطيع أن يواجه التيار الديني القوي وأن يغير هذا الوضع.

 

بعد هذا كله، وبعد أن رأينا جرائم الحرس الثوري الإيراني في أنحاء مختلفة من العالم العربي، وبعد أن أعلنت إيران رغبتها في السيطرة على الكعبة المشرفة واحتلال مكة والمدينة، أصبح لا مجال أمام أي عربي إلا أن يشك في نوايا إيران، وفي أن سلاحها النووي سيكون وبالاً على العرب وليس لمصلحتهم

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top