تتسارع الأحداث في المناطق المحررة المحاصرة من دمشق وريفها،
حيث ينتقل قطار "تأمين" محيط دمشق من قبل نظام الأسد، للوصول نحو محطته
الأخيرة، هذه الرحلة التي عجّل في دفعها قُدماً نحو هدفها احتلال ميليشيات
إيران لمدينة داريا غربي دمشق بعد إخلائها من ثوراها وذويهم في 28 من آب
الماضي، حيث بات واضحاً أنها كانت السد المنيع الذي كان يصد عن جميع مناطق
ريف دمشق المحررة.
قدسيا والهامة ومعضمية الشام وخان الشيح وحالياً مدينة التل، جميعها مناطق
تهاوت الثورة فيها بعد اتفاق إخلاء داريا من ثوارها وأهلها، حيث استغل
النظام نشوة "انتصاره" هذه، والتي ما كان ليحققها لولا الدعم الروسي
الإيراني اللامحدود له وتسوية المدينة بالكامل بالأرض أن مرغت أنفه بالتراب
آلاف المرات طيلة أربع سنوات مضت من الصمود الأسطوري لأبطالها.
اتفاقياتٌ جرت خلال الأشهر والأسابيع والأيام الماضية في هذه المناطق للمضي
بـ "المصالحة" التي يروّج لها النظام منذ أكثر من ثلاث سنوات على أنها
الحل الوحيد للخروج من "الأزمة" كما يسميها، ويدعمها محلياً ودولياً
الاحتلال الروسي.
النظام يطالب بتطبيق "المصالحات" في بلدات جنوب دمشق
في جنوب دمشق تخضع بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم وحيي القدم والعسالي
لاتفاقيات هدن مع النظام منذ ما أكثر من سنتين ونصف بعد أن عايشت حصاراً هو
الأشد والأقسى من بين جميع المناطق المحاصرة في سوريا، حيث قضى حينها أكثر
من 200 شخص جراء الجوع معظمهم في مخيم اليرموك.
اتفاقيات "المصالحات" التي وُقّعت حينها لم تتعدى كونها مجرد هدن توقفت
فيها العمليات العسكرية الهجومية من الطرفين مقابل فتح ممرات إنسانية لها،
إلا أن المشهد يبدو مختلفاً الآن فما كان يقبله النظام من هذه المناطق خلال
الفترة الماضية لم يعد مقبولاً الآن خاصة أن المعطيات المحلية والدولية
اختلفت عن السابق، وموقفه الآن بات أقوى من قبل وهنا حديثنا عن المشهد
العسكري في هذه المناطق تحديداً.
بعد أيامٍ قليلة من اتفاق إخلاء داريا أبلغ النظام الفعاليات المدنية
والعسكرية في البلدات المذكورة بضرورة المضي بمشروع "المصالحات" في المنطقة
حتى النهاية، حيث طرح شروطه مجدداً والقاضية بإجراء جميع أهالي المنطقة
لما يسمى بتسوية وضع، ومن بينهم المرابطين التابعين للفصائل في المنطقة على
أن يتحولوا إلى لجان "حماية محلية" ويرتبطون بقوات الأسد بشكل مباشر،
لحماية البلدات من تنظيمي "الدولة الإسلامية" و"فتح الشام" في المناطق
المتاخمة لها –التضامن، مخيم اليرموك، الحجر الأسود، العسالي، وعودة مؤسسات
الدولة إلى المنطقة مقابل أن تُفتح الطرقات بشكل كامل، والعمل على متابعة
ملف "الموقوفين" بحسب تعبيره اللفظي عن المعتقلين داخل سجونه الأمنية.
لجنة سياسية لتقرير مصير المنطقة والتفاوض مع النظام
تصرف النظام هذا لم يُرفقه بمهلة زمنية ولم يتبعه بأي تصعيد، حيث بدا أن
الأولوية كانت عنده لمناطق أُخرى في ريف دمشق ملفاتها أقل تعقيداً، لكن
تحركاً من نوع آخر جرى داخل المنطقة بعد هذه الخطوة حيث شعرت الفصائل
العسكرية والمعنيين بأمورها – وإن كان متأخراً- بضرورة توحيد الصف فالمرحلة
القادمة لم تعد تحتمل مزيداً من الفرقة وتشتت الكلمة، فكان الاتفاق على
تشكيل لجنة سياسية تضم ممثلين عن أهالي المنطقة إضافة للفصائل العسكرية،
ليكون القرار السياسي للمنطقة واحداً في السلم والحرب، ولتكون أولى مهامها
التفاوض مع "النظام" بدل اللجان القديمة والتي كانت تقتصر فقط على عدة
مشايخ كممثلين عن البلدات.
استفتاء
مصدرٌ مقرّبٌ من اللجنة السياسية المُشكّلة حديثاً ذكر أن اجتماعات مكثّفة
جمعت أعضاء اللجنة قبل أن يخرجوا برؤية حول ماهيّة الاتفاق الذي يُمكن
إبرامه مع النظام، استندت على ثلاث ثوابت رئيسية وهي الحفاظ على النفس
والأرض والسلاح، ليُشكّل بعدها فريقٌ مفاوض قام بعرض هذه الرؤية على
"النظام" ليبلّغ بعد يومين بالرفض الكلي للرؤية وسُلمت إليه وهي ممزقة بحسب
المصدر، تبعه تصعيد للنظام بالتضييق على الأهالي على حاجز "ببيلا-سيدي
مقداد" الفاصل بين المنطقة والعاصمة دمشق والمعبر الإنساني الوحيد للمنطقة،
إضافة لرفعه نسبة الإتاوة المفروضة على البضائع اليومية التي تدخل المنطقة
من 10 % زيادة إلى 30%.
وفي نفس السياق أجرى الشيخ أنس الطويل ممثل بلدة ببّيلا في اللجنة السياسية
استفتاءً عبر ورقة طرحها على المصلين في مسجد الكريم بعد خطبة يوم الجمعة
18-11-2016، حيث جاء فيها عدد من خيارات السلم والحرب ليختار الأهالي منها
ما يفضّلونه، وأكّد أعضاء اللجنة بعدها أنها خطوة فردية لا علاقة للجنة
السياسية بها، ووصفها ناشطون أنها عمل من شأنه شق الصف وإثارة البلبلة خاصة
بعد التوافق على لجنة تضم ممثلين عن معظم مكونات المنطقة.
النظام يرفع سقف مطالبه
عدة اجتماعات جرت بين الفريق المفاوض والنظام بعد هذا التصعيد، حيث نشرت
اللجنة السياسية بياناً بتاريخ 23-11-2016 ذكرت فيه أن اجتماعاً جرى مع
رئيس فرع الدوريات العميد طلال إبراهيم العلي طرح فيه الأخير موضوع إدخال
الناحية إلى المنطقة وضرورة إيجاد "قواسم مشتركة" لوضع حلول ملائمة
للجبهات، في حين طالب الفريق المفاوض بإخراج كافة المعتقلين وبيان مصير
المفقودين، تبعها طرح رئيس شعبة المخابرات اللواء محمد محلا مبادرة بتاريخ
27-11- 2016 نصت على عدد من البنود أهمها حل جبهات الرباط على قوات النظام
والإبقاء فقط على جبهات الرباط على تنظيم "الدولة" و"فتح الشام" وحصر عدد
المرابطين على هذه الجبهات بأعداد لا تتجاوز 600 مقاتل مع رفع قوائم
بأسمائهم للنظام على أن يؤمّن الأخير لهم الدعم اللوجيستي الكامل والإسناد
العسكري المطلوب، وبالنسبة لجبهات الرباط ضد الميليشيات الشيعية في بلدة
السيدة زينب فيتم عقد لقاءات مع المعنيين هناك برعاية "النظام" لإيجاد حلول
مناسبة، أما بالنسبة للمنشقين ورافضي الخدمة فيُمنحون بعد تسوية أوضاعهم
مهلة زمنية معينة يُتفق عليها قبل أن يلتحقوا بجيش النظام، ومن يرفض هذه
البنود يؤمن إلى منطقة أُخرى بعد تسليم سلاحه.
المصدر المقرّب من اللجنة ذاته أكّد أن الفريق المفاوض أبلغ النظام في
الجلسة نفسها التي طُرحت فيها مبادرة اللواء محلا باستحالة تطبيقها، على أن
تستكمل المفاوضات لاحقاً للوصول إلى حلول مناسبة للمنطقة.
في سياق متصل أطلق ناشطون في جنوب دمشق حملة إعلامية لدعم اللجنة السياسية
مستخدمين وسم #أدعم_اللجنة_السياسية، وقال الناشط أبو عمر نور أحد
المشاركين في الحملة أن الهدف منها "دعم اللجنة السياسية لجنوب دمشق، إضافة
إلى نشر الوعي بين الأهالي حول خطورة مشروع التهجير القسري والتغيير
الديمغرافي، الذي يمارسه نظام الأسد في مناطق عديدة من سوريا"، وأضاف نور
أن الحملة شملت نشر منشورات توعوية على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى
توزيع منشورات ورقية على الأهالي، وبخ عدد من العبارات والرسوم التي تؤكد
على ضرورة الوقوف صفّاً واحداً في مواجهة التحديات الخطيرة التي تهدد
المنطقة".
"داعش" يتجه إلى فك ارتباطه بالتنظيم الأم
وفي الطرف الغربي من جنوب دمشق وتحديداً في أحياء التضامن ومخيم اليرموك والحجر الأسود والعسالي حيث تخضع هذه الأحياء لسيطرة تنظيم "الدولة" وجبهة "فتح الشام"، تتوارد أنباء غير مؤكدة بعد أن مقاتلي تنظيم "الدولة" هناك يتجهون نحو فك ارتباطهم بالتنظيم الأم، وحول هذا الأمر يقول القيادي في جيش الإسلام في جنوب دمشق وأحد أبناء الحجر الأسود "أبو صالح الجعثوني" أن هناك بوادر فعلاً لمثل هكذا خطوة وأن اتصالات تجري حالياً بين قيادة التنظيم في الحجر الأسود وبين النظام للاتفاق على إجراء "مصالحة" أو الخروج من المنطقة.
وفي الطرف الغربي من جنوب دمشق وتحديداً في أحياء التضامن ومخيم اليرموك والحجر الأسود والعسالي حيث تخضع هذه الأحياء لسيطرة تنظيم "الدولة" وجبهة "فتح الشام"، تتوارد أنباء غير مؤكدة بعد أن مقاتلي تنظيم "الدولة" هناك يتجهون نحو فك ارتباطهم بالتنظيم الأم، وحول هذا الأمر يقول القيادي في جيش الإسلام في جنوب دمشق وأحد أبناء الحجر الأسود "أبو صالح الجعثوني" أن هناك بوادر فعلاً لمثل هكذا خطوة وأن اتصالات تجري حالياً بين قيادة التنظيم في الحجر الأسود وبين النظام للاتفاق على إجراء "مصالحة" أو الخروج من المنطقة.
وأضاف "الجعثوني" أن هناك خلافات كثيرة تطفو على السطح الآن في التنظيم بين
أتباع "أبو هشام الخابوري" وهو القائد الحالي له في المنطقة و"جماعة
الأنصار" المبايع للتنظيم بعد انشقاقه عن جبهة فتح الشام منذ عدة أشهر،
وتعززت هذه الخلافات بعد خروج القائد السابق للتنظيم في المنطقة أبو صياح
طيارة الملقب بفرامة ونائبه أبو مجاهد من المنطقة باتفاق سرّي مع النظام
قبل عدة أسابيع.
تعقيداتٌ يحملها ملف المفاوضات في بلدات جنوب دمشق أبرزها وجود تنظيمي
"الدولة" وجبهة "فتح الشام" على أطرافها، وميليشياتٌ شيعية تحلم بزيادة
رقعة سيطرتها حول السيدة زينب وجعل المناطق المتاخمة لها أشبه بضاحية
جنوبية بدمشق، ما يعني أنها قد تطول حتى يتم إنهاء هذين الملفين على أقل
تقدير، إلا أنه بالمقابل ومع كل عملية تهجير تحدث للثوار في مناطق ريف دمشق
فإن الضغط يزيد على ثوار جنوب دمشق خاصة مع فقدان أي أمل من تحرك عسكري
للفصائل العسكرية في درعا والقنيطرة لفك الحصار عن المناطق المحاصرة في ريف
دمشق.
المصدر اورينت نت
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر