0
والفنكوش الأول هو بالطبع قناة السويس الجديدة، التي ليست قناة جديدة، والتي لن تدر أي عائد في المدى القصير أو المتوسط  .. هذه قصة أخرى تحتاج للتفصيل .. لكن مفاجآت الانقلاب لا تنتهي.
فقد فاجئتنا جريدة الأهرام يوم الخميس الماضي – الموافق 18 سبتمبر 2014 – بالمانشيت الرئيسي " إستصلاح أربعة ملايين فدان " .. وهو خبر مفاجئ بكل معنى الكلمة، خاصة لو كنت بحكم عملك تتابع مثل هذه المشروعات الكبرى ودراساتها التمهيدية .. لو كان الهدف من الخبر هو مجرد إعطاء جرعة من التفاؤل وسط الإخفاقات المتعددة فستقتصر المصيبة على كذبة كبيرة لا تليق بأي حكومة حتى لو كانت تحكم شعبا ما زال يركب البغال، أما لو كان الكلام بجد وستتخذ له إجراءات تنفيذية فنحن إزاء مصيبة من العيار الثقيل.
    إن مشروع إستصلاح 400 الف فدان فقط (أي 10% من المشروع المعلن عنه) هو مشروع عملاق بحق ، يتطلب بالإضافة إلى عمليات الإستصلاح والمرافق اللازمة لها إقامة عدد من القرى لسكنى العاملين بالزراعة، ومدينة مركزية لتوفير الخدمات الإدارية والصحية والتعليمية والثقافية والترفيهية .. الخ للعاملين وأسرهم، هذا المشروع – الصغير بالنسبة لما تتكلم عنه الأهرام - سيخلق حوالي 1.5 مليون فرصة عمل، أي سيعول حوالي 6 ملايين من السكان .. عملاق فعلا .. ستزيد تكلفته عن العشرة مليارات جنيه .
    لو قال الخبر أن هذه المشروع سيطرح للمستثمرين لهان الخطب ، فهؤلاء المستثمرون يدرسون مشروعاتهم أولا، ولن يقدموا على إنفاق أموالهم إلا بعد عمل دراسات جدوى حقيقية والإطمئنان إلى فرص النجاح ، لكن الخبر يقول أن هذه الأراضي ستوزع على فقراء الفلاحين .. كلام ظاهره جميل .. لكن معناه أن الدولة هي التي ستمول وتنفذ المشروع ... هنا مكمن الخطر .
    لقد أعلن قائد الإنقلاب أنه في حاجة لعدة مئات من المليارات كي يحل المشاكل التي نعاني منها بدون هذا المشروع، فمن أين يا ترى سيأتي بمائة مليار أخرى ؟!!
    المشكلة ليست فقط في التمويل، فلربما يقول قائل لنبدأ بالتمويل المتاح ثم نستعين بالله (سنرد على هذا القائل بأن هذه ليست طريقة مناسبة لإدارة شئونك العائلية، ناهيك عن التخطيط لتنمية بلد بحجم مصر)، لكن المشكلة الحقيقيه هي في توفير المياه، فإذا استصلحت أرضا ولم تجد مياه لريها فقد ضاعت عليك أموالك .
    إن خبراء الموارد المائية لم ينتهوا بعد من لطم الخدود وشق الجيوب على الفقر المائي الذي ستعاني منه الستة ملايين فدان التي تزرعها الآن، ويضربون أخماسا في أسداسا وهم يفكرون فيما سيفعلونه بعد إنتهاء سد النهضة .. عندنا مشكلة مياه لري الأرض التي نزرعها الآن ثم نقول أننا سنستصلح ما يوازي 70 % إضافية !!
    وقبل أن يسارع أحد فيزعم أن الإستصلاح سيتم إعتمادا على خزان المياه الجوفية الموجود في الصحراء الغربية، نقول أن العبرة ليست بوجود خزان، لكن الأهم هو المصادر التي تغذي هذا الخزان .. الخزان الجوفي مثل بحيرة سطحية غير مستخدمة .. قبل أن تفكر في الإعتماد عليها يجب أن تسأل نفسك ما هي الكمية السنوية التي سترد إلى هذه البحيرة من الأمطار أو الأنهار التي تصب فيها، لأنك إذا سحبت منها كميات أكبر مما يرد إليها ستجف ويصبح كل ما أنفقته على الإستصلاح في خبر كان.
    كاتب هذه السطور بحث من موقعه كمستشار لوزير الإسكان في وزارة الدكتور هشام قنديل عن إمكانيات تعمير الصحراء الغربية إعتمادا على مشروعات إستصلاح كبيرة تستفيد من خزانها الجوفي، وكانت الإجابة أنه لم تتم دراسة معدلات تغذية هذا الخزان، ولا يمكن المجازفة بمشروعات عملاقة (كنا نتكلم عن نصف مليون فدان فقط) قبل الإطمئنان على هذه النقطة، ومن المستبعد أن مثل هذه الدراسة قد تمت في عهد المستشار عطية منصور ولا تكفي لها ثلاثة أشهر بأي حال .. هل هذا جرس إنذار ، أم أنه لا حياة لمن تنادي ؟؟!!!
* * * * *
إستطراد مهم:
كتبت هذا المقال يوم السبت الماضي، وتأخرت في إرساله للجريدة حتى تكلم وزيرنا الهمام ليخبرنا أن مصر قد دخلت بالفعل مرحلة الفقر المائي .. إنه يعرف إذن .. فمن الذي كان معهم عند إعداد مشروع الأربعة مليون فدان ليأخذوا رأيه في موضوع الري؟ .. ولماذا لم يطلع الوزير حكومته على هذا الخبر المزعج؟ .. أم تراه أطلعهم لكنهم لم يصدقوه؟ .. من أين إذن تستمد هذه الحكومة معلوماتها إن لم يكن من وزرائها؟ .. أم أن المشروع تم الإعلان عنه قبل أن يعرض على الحكومة؟ .. أي حكومة هذه .. بل أي دولة هذه التي تقرأ حكومتها أخبار المشروعات الكبرى في الصحف ككل المواطنين .. رحماك.

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top