0
تأتي الذكرى الـ 41 لحرب أكتوبر 1973، ومازال هناك لا يعرف عنها سوى أنها معركة لعبور القناة وتمت خلال يوم السدس من أكتوبر، بينما يجهل العامة أنه الحرب استمرت حتى يوم 25 أكتوبر، حيث اصدر مجلس الأمن قرار بوقف إطلاق النار، ثم بدأت مباحثات الكيلو 101 يوم 28 أكتوبر، ثم وقع الجانبين اتفاقية فك الاشتباك في يناير 1974.
واستغلت جميع الأنظمة المصرية حرب أكتوبر لاستمداد شرعيتها منها، حيث لُقب محمد أنور السادات الرئيس الراحل بـ “رجل الحرب والسلام، واستغل محمد حسني مبارك الرئيس المخلوع، مشاركته في الحرب ليُلقب بـ “صاحب الضربة الجوية”، وعندما قامت ثورة يناير ضده، حاول التوسل بهذه الحرب حتى يمنحه الشعب فرصة أخرى، ولكن الشعب كان قد قال كلمته.
وبعد نجاح الثورة، ظل المجلس العسكري الذي تولى مقاليد الأمور بعد تنحي مبارك، يرفض أي مساس بالقوات المسلحة المصرية وشخوص المجلس العسكري، لأن الجيش هو الذي جلب النصر في هذه الحرب، وهو الأمر الذي استمر بعد أحداث 30 يونيو وقيام القائد العام للقوات المسلحة بالانقلاب على أول رئيس مدني منتخب، وذلك على الرغم أن معظم من شارك في حرب أكتوبر تم تسريحهم وإنهاء خدمتهم بموجب البنود السرية في إتفاقية “كامب ديفيد”.
ويأتي كل ذلك وسط الكثير من الحقائق التي تعمد الإعلام المصري الذي تسيطر عليه الدولة في إخفائها، ومن بينها: حصار جيش يتكون من 45 ألف رجل ومدينة كاملة، حيث ظهرت الصحف يوم 30 من نوفمبر 1973 بعناوين ضخمة “أن قواتنا تسيطر سيطرة تامة على الضفة الغربية تمامًا ما بين الدفرسوار والسويس.. إن معابر الجيش الثالث جميعها سليمة وإن الإمداد يتم بانتظام”.
كما حاولت القيادة السياسية في ذلك الوقت إخفاء الحالة النهائية التي انتهت عليها الحرب، حيث لم تكن حرب أكتوبر نصرًا كما حاول النظام السياسي والإعلام التابع له تصويره، فالمعركة انتهت بالتعادل بين الطرفين، حيث عبرت القوات الإسرائيلية لغرب القناة حتى وصلت إلى مشارف القاهرة، بينما لم يستطيع الجيش المصري إلا تحرير شريط ضيق موازيًا لقناة السويس في سيناء، وهو في حقيقته هزيمة عسكرية نظرًا للهدف “المعلن” من الحرب والذي كان موضوعًا للقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، وهو تحرير أرض سيناء.
ولجأ النظام السياسي إلى تضليل الرأي العام باستخدام كافة وسائل الإعلام لتصوير حرب أكتوبر كمعركة نصر كبرى والتقليل من الخسائر التي لحقت بالجيش المصري، وذلك حتى لا تنهار شرعية النظام الحاكم، وخاصة بعد الهزيمتين المتتاليتين في 1948 و1976.
وسعت وسائل الإعلام لتضخيم نصر أكتوبر في عقول الشعب المصري، وذلك باستخدام بعض المفرادات التي من شأنها تقليص الحرب كلها واختصارها في معركة العبور، في حين أن العبور ما كان إلا مفتتح الحرب، مع الاعتراف بعظم عملية العبور واعتبارها نضرًأ مبهرًا بالفعل، إلا أن الحروب تعتبر بخواتيمها وليست ببدايتها، ولو كان استمر الأداء على هذا الحال لكانت فعلا حرب أكتوبر نصرًا عظيمًا.
ففي خطاب الرئيس الراحل أنور السادات أمام مجلس الشعب في فبراير 74، نفي السادات أن الجيش الثالث قد حوصر، كما أنه قام بإحضار اللواء بدوي الذي كان قائدا للقوة المحصورة وأخذ يوجه له أسئلة ويتلقى أجوبة تثبت أن الجيش الثالث لم يكن محاصرًا، وذلك بحسب ما ذكره الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته.
وحاولت القيادة السياسية أيضًأ إخفاء الهدف الحقيقي من وراء قرار الحرب، فيرى الخبراء العسكريون، بل بعض قيادات الجيش أنفسهم، أن السادات خاض الحرب بهدف تحريك الأوضاع السياسية بين مصر وإسرائيل للقيام بتسوية سياسية تحقق من خلالها مصر مكاسب جزئية، ويدلل على ذلك ما ذكره المشير محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته من اتصالات سياسية بدأت مبكرًا منذ يوم 10 أكتوبر بين حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومي المصري، وهنري كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة، التي طرح فيها رؤية سياسية للقيادة السياسية المصرية تضمن وقف إطلاق النار وإنسحاب قوات إسرائيل لحدود ما قبل 5 يونيو 1967، وضمان حرية الملاحة في مضايق تيران بإشراف الأمم المتحدة وضع قطاع غزة بعد إنسحاب القوات الإسرائيلية تحت إشراف الأمم المتحدة حتى تقرير المصير، وخلال فترة محددة من نهاية الحرب التي تكون بإتمام إنسحاب القوات الإسرائيلية، يعقد مؤتمر للسلام برعاية الأمم المتحدة يشمل جميع الأطراف بما فيها الفلسطينيون والدول الكبرى لبحث مسائل الأمن والملاحة والسيادة.
وقال الجمسي إن كسينجر لم يرد على هذه المبادرة إلا يوم 12 أكتوبر، حيث “لم تكن الولايات المتحدة على استعداد قبول الربط بين وقف إطلاق النار وشروط سياسية للتسوية، وأنها كانت لا تزال تنتظر تعديل الموقف المصري بقبول وقف إطق النار غير المشروط”، كما رفض السادات عرضًا روسيًا لوقف إطلاق النار وذلك ليلة 12 أكتوبر.
ويضاف إلى ذلك الرسالة التي بعث بها السيد حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومي، يوم 7 أكتوبر، تعبيرا عن رأي الرئيس السادات إلى كيسنجر، وجاء فيها:” لا تعتزم مصر تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة”، وقد فسر كسنجر هذه الجملة على أنها “لا تخلو من التنويه بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل بعد الأراضي التي كسبتها”، حبسب ما جاء في مذكرات السيد حافظ إسماعيل.
وحاول الإعلام أيضا صناعة الوهم لدى عقول جيل كامل طيلة 3 عقود، وذلك بصنع أسطورة “الضربة الجوية الأولى” والتي قادها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، حيث ظلت وسائل الإعلام تصفها بأنها سببًا في نصر أكتوبر، إلا أن المدقق فيما كُتب عن حرب أكتوبر يجد أن أضعف أسلحة الجيش المصري خلال الحرب كان سلاح الطيران، وأن الضربة الجوية لم تكن العنصر الأكثر فاعلية في إنجاح العبور، حيث كان سلاحي المدفعية والدفاع الجوي لهما السبق في تحقيق التأمين للقوات البرية التي عبرت وحطمت خط بارليف.
وأكد اللواء طيار محمد عكاشة، أحد قادة حرب أكتوبر، أن الضربة الجوية أشترك في تنفيذها حوالي 5 آلاف شخص، ولم تكن من تصميم مبارك وإنما قام برسم تفاصيلها اللواء محمد شبانة، رئيس غرفة عمليات بحرب أكتوبر، منوها إلى أن تنفيذ الضربة نفسها قد أشترك فيها حوالي 200 طيار يقوم بخدمتهم 200 مهندس و5000 ميكانيكي.
وبالتالي لا يمكن اختزال أن هذا المجهود الذي قام به حوالي 6 ألف شخص في شخص واحد وهو حسني مبارك، بينما يتم تجاهل المجهود الذي قام به عدد من اللواءات أثناء حرب أكتوبر ومن بينهم اللواء جمال محمد علي، المسئول عن الهيئة الهندسية، وهي الهيئة المسئولة عن عملية عبور الساتر الترابي (خط بارليف) وعن أنشاء أغلب المطارات والممرات والدشم والحظائر الأسمنتية للطائرات التي ساهمت جميعها في حماية الطائرات والطيارين من الغارات الإسرائيلية.
وأضاف عكاشة في شهادته قائلا:” من بين هؤلاء الأبطال الذين قام بدور رائع في حرب أكتوبر، هو المشير محمد علي فهمي، قائد قوات الدفاع الجوي، ودوره في حماية القوات اثناء العبور عن طريق بناء حائط الصواريخ، الذي كان له الدور الأعظم في حماية سماء مصر من الغارات الجوية وكان عامل تفوق القوات المصرية حتى حدوث ثغرة الدفرسوار التي استطاع من خلالها الجيش الاسرائيلي تدمير بعض من قواعد هذه الصواريخ”.
وأكد الفريق سعد الدين الشاذلي إن أول خطة عبور واقعية لقناة السويس قد وضعت في يوليو وأغسطس 1971، وكانت تسمى خطة “المأذن العالية”، بينما كان تعيين حسني مبارك قائدًا للقوات الجوية في ابريل 1972، مما يعني أنه لم يشارك في وضع الخطة الأصلية، وإن لحق باللمسات الأخيرة لها والتي تمت في نفس توقيت تعيينه.
وفي النهاية.. يظل السؤال الذي لم يجد الشعب المصري إجابة عليه هو: إلى متى تظل القيادات السياسية المتعاقبة تتعمد إخفاء الحقائق عن المصريين بل وتضليله في الكثير من الأحيان؟!!


?§Uƒ??Uˆ?¨?± 1

?£Uƒ??Uˆ?¨?± 3

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top