ينخفض سعر أي سلعة
إذا ما انخفض الطلب عليها أو زاد المعروض منها في السوق. وفي سوق البترول
يتضافر العاملان معا منذ ستة أشهر بعد استقرار في الأسعار دام خمس سنين.
فمن
ناحية، البترول هو المحرك الأول للمصانع، والوقود الأوحد للسفن وسائر
وسائل النقل والشحن. ونتيجة لتباطؤ الاقتصاد العالمي، لم تعد عجلة الإنتاج
العالمي تدور بنفس سرعتها، لذلك أصبح طلبها على البترول أقل. كما صارت
عمليات الإنتاج ووسائل النقل أكثر كفاءة ومن ثم تستهلك قدرا أقل من البترول
أو وسائل طاقة متجددة.
ومن ناحية أخرى، اكتشفت الولايات المتحدة
وسيلة جديدة لاستخراج البترول من صخورها، لتصبح المنتج الأول للبترول في
العالم، وتقلص الكميات التي تستوردها. وهكذا، صار سوق النفط يزدحم بناقلات
بترول لا تجد من يشتريها.
وتضافر العاملان معا ليؤديا إلى انهيار في
الأسعار بنسبة ٤٠٪ منذ يونيو الماضي، ويبدو أنه حتى برد الشتاء والحاجة إلى
التدفئة في الدول الغنية لم ولن يرفع الطلب على البترول بحيث ينقذ الأسعار
من الانهيار.
٢- إلى متى ستظل الأسعار منخفضة؟
تلعب التوقعات
أيضا دورا في تحديد سعر البترول. وفي حالتنا، من المتوقع أن تظل الأسعار
منخفضة لمدة ستة أشهر قادمة على الأقل. خاصة بعد أن امتنعت منظمة الأوبك عن
اتخاذ أي تدابير من شأنها إنقاذ السعر من الانهيار.
فيكفي أن تعلن
المنظمة التي تتحكم في حوالي٤٠٪ من سوق البترول العالمي عن نية الحد من
إنتاجها، حتى يرتفع السعر. وتحدد المنظمة لكل دولة من أعضائها الإثني عشر
"كوتا" محددة أي حجم إنتاج النفط المسموح لها بإنتاجه، بحسب حالة السوق،
وبغرض الحفاظ على سعر البترول في حدود هامش من الأسعار يكفل لمجموع الدول
ككل أن تستفيد خير استفادة من وراء تجارة الذهب الأسود. هذا كلام نظري
فحسب. إذ أنه في الواقع، وطمعا في المزيد من المكاسب، تتجاوز غالبا الدول
الكوتا المحددة، لتطرح في الأسواق كميات أكثر من المتفق عليه.
والرسالة
التي أرسلتها مؤخرا دول الأوبك لأسواق النفط، هي أنها من أجل الحفاظ على
حصصها في السوق، لا تبالي لانخفاض السعر في الوقت الحالي، مما دفع التوقعات
المستقبلية للسعر إلى أسفل. وحتى خارج أوبك، تحاول روسيا التي تترنح
عملتها هي أيضا اقتناص أكبر قدر من الموارد في إطار انخفاض الأسعار عن طريق
ضخ المزيد من النفط في الأسواق.
وهكذا، تدخل السوق في دوامة من
زيادة المعروض طمعا في تعويض انخفاض الأسعار، فلا يجد المعروض مشترين فيقل
السعر على أمل أن يجتذب المشترين، ويحاول المنتجون تعويض الانخفاض بمحاولة
بيع كميات أكبر، وهكذا...
٣- من المتضررون عالميا من انخفاض سعر البترول؟
الدول
المصدرة للبترول هي المتضرر الأول. وكلما كانت الدولة معتمدة على الموارد
البترولية (أي لا تملك قاعدة انتاج عريضة للسلع والخدمات الأخرى)، كانت
خسارتها أفدح. ويزيد الضرر كلما زادت تكلفة إنتاج البترول في تلك الدولة.
كما يفاقم من أثر انخفاض الإيرادات البترولية العدد الكبير للسكان في
الدولة.
وتنطبق بعض أو كل من هذ الأوصاف على روسيا وفنزويلا وإيران
(وسوريا) بشكل خاص. حتى أن محللا أمريكيا مرموقا هو فريد زكاريا قد وصف
الأزمة على أنها من تخطيط الولايات المتحدة ومباركة بل وبتواطؤ السعودية من
أجل إضعاف معسكر الأعداء.
٤- من هو أكبر مصدر للبترول في العالم وهل هو بالنتيجة المتضرر الأكبر؟
السعودية
هي أكبر مصدر في العالم للبترول وصاحبة أكبر احتياطي من البترول الرخيص في
أراضيها وثاني أكبر المنتجين عالميا. ولكنها غير متضررة من انهيار الأسعار
ولا بقية دول الخليج العربي. فبترول الشرق الأوسط كله لا تتجاوز تكلفة
انتاجه ٥-٨ دولارات (مقابل السعر الحالي=٦٠ دولار)، كما أنها مستفيدة
سياسيا من ضرب خصومها الإقليميين إيران وسوريا وحلفائهما.
٥- من المستفيد عالميا من هذا الانخفاض؟
انخفاض
إسعار البترول هو "خبر جيد للاقتصاد العالمي"، تقول مديرة صندوق النقد
الدولي. ومن المفترض أن يسعد نبأ الانخفاض بشكل خاص كل الدول التي تستورده،
وخاصة كبار المستوردين في أوروبا، وكذلك الصين واليابان (وليجعله الله
سببا في استرداد عافيتهما الاقتصادية). وكذلك، في المنطقة العربية، يتوقع
أن تهلل دولا على رأسها مصر والأردن ولبنان وتونس. فكيف تستفيد مصر؟
الإجابة مركبة.
٦- من الخاسر ومن الرابح في مصر؟
يربح الجنيه المصري وتقل أزمة الدولار مما قد يطوي التضخم، كما يخلق للحكومة وفورات مالية.
بداية،
مصر ستخسر أكثر من ٢ مليار دولار بسبب تصديرها بأسعار أقل. بالنظر إلى
بيانات البنك المركزي، نجد أن مصر تصدر من البترول الخام٧ أضعاف ما
تستورده. وبلغت حصيلة صادرات النفط الخام في ٢٠١٣-٢٠١٤ (أي في نهاية يونيو
الماضي) ما يقرب من ٨ مليار دولار. أي أن ما ستخسره مصر كمصدر من انخفاض
الأسعار العالمية يبلغ حوالي ٣.٢ مليار دولار.
إلا أن هذه الخسارة
سيعوض عنها وفر كبير من استيراد مشتقات البترول والغاز الطبيعي بأسعار
مخفضة. فأسعار المنتجات البترولية (خاصة البوتاجاز والسولار) تتأثر أيضا
بأسعار الخام. ومصر مستورد مهم لتلك المنتجات. فعلى سبيل المثال بلغت
واردات مصر من المنتجات البترولية في العام المنتهي في يونيو الماضي حوالي
١١ مليار دولار، ستنخفض حتما في العام المقبل. فإذا قلنا على سبيل المثال
أن الانخفاض سيكون بنسبة ٣٠-٤٠٪، فإن ذلك يعني أيضا ٣-٤ مليار دولار وفر في
فاتورة الاستيراد. وهذا إضافة للوفر المتحقق من شرائها للغاز الطبيعي
والبترول المستخرج من مصر ولكنه مملوك للشركات الأجنبية، والذي يتأثر
سعرهما أيضا بسعر النفط العالمي.
وهكذا، فإن انخفاض هذا الأخير يمكن
أن يكون خبرا رائعا للجنيه المصري، الذي تتآكل قيمته منذ عامين بسبب نقص
مزمن في الدولار. فكل دولار أقل ندفعه للاستيراد، هو تخفيف من الضغط على
قيمة الجنيه. وسيدعم هذا من القدرة الشرائية للجنيه كما قد يكون ذلك خبرا
جيدا لمتتبعي مؤشر التضخم.
ثانيا، كما الاقتصاد رابح، الحكومة
المصرية أيضا رابحة. فهي الجهة الوحيدة المسموح لها باستيراد المنتجات
البترولية. وهي من تبيعه إلى المصانع والمزراع وسائقي النقل والسيارات. وهي
تبيعه للجميع بأقل من السعر الذي تدفعه لشراء البترول. فانخفاض سعر
البترول العالمي هو إذن تخفيض لحجم الخسارة التي تراكمها.
ولهذا، فمن
المفترض أن تنخفض قيمة الدعم الموجه للطاقة بما يتناسب مع الانخفاض في سعر
البترول. وبحسب بيانات وزارة المالية، فإن قيمة الدعم الذي تعتزم الحكومة
توجيهه للبترول ومنتجاته ١٠٠ مليار جنيه، محسوبة على افتراض أن السعر
العالمي للبترول ١٠٥ دولار للبرميل.
وتقول وزارة المالية أنها لم
تتمكن بعد من حساب إجمالي الوفر، إلا أن المنطق يقول أنه سيكون في حدود ٤٠
مليار جنيه (وزارة البترول أعلنت عن ٢٥ مليار). أي هو خفض بمقدار الثلث في
عجز الموازنة ومن ثم الديون.
٧- هل من فائدة للمستهلكين؟
صار
مألوفا مؤخرا، في أوروبا والدول المتقدمة، أن نرى عامل محطة الوقود وهو
معلق في الهواء ليعدل سعر لتر البنزين المكتوب على اللافتة. ينقص السعر
يوما بعد يوم، ليفرح المستهلكون من أصحاب السيارات. ولكن هذا المشهد لن
يحدث في مصر في الأجل القريب. لماذا؟
كما قلنا، أسعار البترول لا
تتحرك في مصر بحسب العرض والطلب. بل تحددها الحكومة. وحتى إشعار آخر،
سيعاني المستهلك المصري على عكس الأجنبي من زيادة أسعار الطاقة بأنواعها،
إذ تنوي الحكومة رفع الأسعار على المستهلكين من المواطنين الأفراد بشكل
تدريجي ومتواصل خلال السنوات الخمس القادمة.
ولكن بشكل غير مباشر،
يستفيد المصريون إذا ما قررت الحكومة توجيه جزء/كل الوفر إلى تحسين الخدمات
مثل المواصلات أو العلاج المجاني. فالوفر يمكن أن يضاعف الإنفاق على
الصحة. ولكن يستلزم ذلك الضغط على الحكومة عن طريق تنظيم المواطنين أنفسهم
سياسيا ومن خلال البرلمان.
8- هل يقل الاستثمار في قطاع البترول بسبب انخفاض الأسعار؟
مصر،
شأنها شأن سائر دول العالم، من الممكن أن تتأثر الاستثمارات البترولية
فيها بحسب التوقعات المستقبلية للأسعار العالمية للنفط. فمن يرغب أن يستثمر
في سلعة تنخفض أسعارها؟ ولعل أكبر المتأثرين عالميا من استمرار انخفاض
الأسعار هي الشركات الأمريكية والتي استدانت بكثافة من أجل تطوير ذلك النوع
من الإنتاج المكلف، بناء على توقعات سابقة بأسعار عالية. ولكن البترول
سلعة سياسية أكثر منها اقتصادية، فهو سلاح وورقة ضغط أو عربون رضاء عن هذه
الدولة أو تلك. ويخضع الاستثمار فيه لموائمات سياسية ومفاوضات بين الدول.
وفي
الحالة المصرية، ظلت الشركات الأمريكية والبريطانية تضخ عشرات من
المليارات من الدولارات في قطاع البترول لعشرات السنوات في ظل حكم غير
ديمقراطي ورغم أنه من القطاعات الحكومية الأقل شفافية ومحاسبة. أي تدفقت
الاستثمارات كعلامة رضاء بعيدا عن التقلبات السعرية في العالم صعودا أو
هبوطا.
ومن ناحية أخرى، تبدو مع ذلك فرصة ذهبية للاقتناص. إذ ستتوفر
لدى الحكومة من انخفاض الأسعار العالمية وفورات تمكنها من تمويل إنشاء
معامل تكرير بترول تسمح لها باستخدام البترول الذي تصدره خاما (بالرخيص)،
أو حتى استيراد خام رخيص لاستخدامه في انتاج مشتقات مثل البوتاجاز والسولار
التي تستوردهما حاليا بالغالي وبالدولار النفيس. ولأن الطلب على هذه
المنتجات مضمون ومتزايد فلن تعدم مصر مستثمرين نهمين في هذا المجال.
*كل
الأرقام المذكورة رسمية ومدققة، ولكن كل الحسابات هي تقريبية وعلى سبيل
المثال لتقريب الاتجاه والفكرة، حيث أن الحكومة لا تنشر معلومات مدققة
ومحدثة عن قطاع البترول.
هذا المحتوى من :
موقع أصوات مصرية موقع مجاني ويمكن للجميع استخدام ما فيه من أخبار صادرة
عن صحفيي الموقع شريطة الإشارة إلى المصدر ووضع رابط نشط للموقع. أما
بالنسبة للأخبار المأخوذة من وكالة رويترز أو المصادر الأخرى من صحف
ووكالات فيتعين استئذانها في ذلك
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر