0

بقلم مدين ديرية- منتج وثائقي "الدولة الإسلامية" *
قمتُ بتصوير الحياة اليومية في الرقة تحت حكم تنظيم داعش، وتنقلت بين "مؤسسات الدولة الإسلامية" وكيف تطبّق أسلوبها بدءًا من الصلاة والتدريب و"الحسبة" و"القضاء" وانتهاءً بالسجون التي تديرها وقمتُ بزيارة ديرية.
ورغم الخسائر التي يعلنها التحالف الدولي ضد التنظيم، إلا أن دخول العمليات ضده شهرها الخامس، واستمراره في التحصن بمواقع داخل سوريا والعراق، يطرح أسئلة حول قوته العسكرية.
شرح مدين ديرية لـCNN  من خلال جزئين، الأساليب العسكرية التي استخدمها التنظيم، وفقا لما عاينه مع مقاتليه وحواراته مع قيادييه.
وفي الجزء الأول، يستعرض مدين كيفية نشأة التنظيم، واستفادته من الاستراتيجية الأمريكية، ثمّ يستعرض في هذا الجزء الثاني توقعاته لسيناريو المعركة الحاسمة بين التنظيم والتحالف الدولي والتي يرجح أن تقع في الربيع.
كل التوقعات تؤكد أن قوات التحالف سوف تدعم هجومًا شاملًا في الربيع القادم، وهذا يعود لعدم جاهزية القوات المهاجمة على الأرض، وأعادت تسليحها وتدريبها، وأيضًا لاستقرار الحالة الجوية لتكثيف الهجمات الجوية الضاربة، وإن تحقيق النصر لا يمر إلا عبر المشاة الذين يحتلون المواقع، ويطهّرونها ويتولون المحافظة عليها، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في ظل سيطرة أكثر من أربعين ألف مقاتل من الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة.
وإن عمليات قصف مراكز السيطرة والاتصال التابعة للدولة الإسلامية لا يضعف تحركات الحركة العسكرية للدولة.
ربما يؤثر في سرعة التنسيق والاتصال بين القوات والمجموعات على الأرض غير أن "الدولة الإسلامية" سوف تعتمد على تقسيم المناطق، وتقسيم المجموعات، وقيادة لا مركزية، وتهاجم تقدم العدو وتلاحقه في الانسحاب.
كيف ستتعامل الدولة الإسلامية مع هذا الهجوم الشامل المتوقع؟
قبل أن نرسم سناريوهات المعركة يجب أن نستعرض قوة الدولة الإسلامية التي تتكون من ثلاث قوات رئيسية هي عناصر تنظيم القاعدة من مدرسة أفغانستان، وعناصر الدولة الإسلامية في العراق، ومن معهم من ضباط الجيش العراقي السابق، وخصوصًا الحرس الجمهوري لصدام حسين، وقوات الشيشان والقوقاز بقيادة أبو عمر الشيشاني .
إن هذه القوات من وجهة نظري وبناء على خبرتي الميدانية في تغطية مثل هذه الأحداث، تعدّ من أفضل وأقوى القوات الحربية في أسلوب حرب العصابات في العالم، وشاركت في كل المعارك مستخدمة كل الأساليب العسكرية الروسية والأمريكية والغربية، تشارك مع هذه القوات عشرات آلاف من المتطوعين المدربين الذين يشكلون نواة "الدولة الإسلامية" من أطباء ومهندسين ومعلمين وإعلامين وقضاة وشيوخ... إلخ، غالبية المتطوعين معهم أحزمة ناسفة، وكل حزام ناسف قوته تعادل 7 قنابل يدوية كما خضع المتطوعون لشهر كامل من التدريب، وهم لا يتحركون دون بنادق وأحزمة ناسفة؛ حيث تم تدريبهم على عدم التخلي عن البندقية ووضعها بعيدة عنه لذلك ترى جميع عناصر الدولة مسلحين حتى في الأعراس والصلاة والشراء والعمل.
لا أحد يعرف حجم الغنائم من الأسلحة الثقيلة التي بحوزة الدولة، ولا قدرة الدولة على تشغيلها وحل شيفرات الصواريخ وتوجيهها، غير أن الدولة لا تستخدم كل الأسلحة الثقيلة في ظل قصف جوي مركز ومتطور لذلك ربما تستخدم العربات المصفحة والدبابات إلا أن الدولة قد تستخدم المدافع الثقيلة مخفية في جبهات القتال مع تشجيع تحريكها من موقع إلى آخر لتجنب قصفها، وهذا بطبيعة الحال مزعج ويعيق الاستهداف الناري والتصويب.
هناك عدة مشاكل تواجه الدولة من استخدام الأسلحة الثقيلة، وهي الحصول على قطع الغيار اللازمة والذخائر؛ حيث لا أحد يخمن كم كمية الذخائر التي غنمتها الدولة مع الأسلحة، وكل ذلك لا يفيد الدولة بقدر ما أن جنرالات الدولة الإسلامية بحاجة إلى تحريك المعركة بنفس نهج وأسلوب معاركها السابقة في العراق، وهي نشر مئات الانتحاريين لمهاجمة القوات من الخلف، وموقع تجمعها، ومراكز خطوطها الخلفية، وأن تجعل طريق ألف ميل في ألف عبوة ناسفة جانبية فقط يقوم بها ثلاثة أشخاص أو اثنان .
كيف ستسير المعركة الحاسمة؟
تظل الدولة الإسلامية تواجه مشاكل التصنيع وتلغيم السيارات إذا ابتعدت القوات عن المدن، وهذا يرتبط بسرعة تقدم القوات المهاجمة ونجاح تطهيرها للمواقع، ووقف الهجمات المضادة العكسية التي تتقنها الدولة الإسلامية بمجموعات تتكون من 16 مقاتلًا إلى 60 مقاتلًا وممكن أن تتكون من عشرات المراكز والمواقع.
تدرك الدولة الإسلامية أنها تخوض معركة مصيرية وليست تقليم أظافر، لذلك سوف تحافظ على بقاء المعركة، ومحاولة إطالتها، وفتح جبهات متعددة، وخطوط قتال في مناطق جغرافية متباعدة؛ لتشتيت القوات المعادية ولكي تتمكن من مهاجمتها بعيدة عن التعزيزات، ولكي تتمكن من مهاجمة قوافل الإمداد التي غالبًا تكون في وضع دفاعي.
سوف تتحرك القوات الأولى من بقايا تنظيم القاعدة والمجموعات الانتحارية لضرب القوات المتقدمة من خلال عمليات انتحارية نوعية.
وسوف يتولى قادة بالحرس الجمهوري العراقي السابق توجيه مجموعات أخرى تتولى المحافظة على المواقع، وتأمين عمليات قصف الصواريخ والقذائف، وسوف تكون هذه القوات من أكثر القوات عرضة لعمليات القصف الجوي المركز.
من المتوقع أن تتولى قوات أبو عمر الشيشاني إشغال الجبهات مع القوات الكردية والجيش الحر، فيما تتولى قوات الدولة الإسلامية من الأتراك الذين يشكلون عدة كتائب في الدولة بتأمين خطوط الدفاع والتموين.
بينما تتولى قوات الدولة الإسلامية من المجموعات الكردية تأمين مصافي النفط، بينما من المتوقع أن تشارك القوات الكردية بالمعارك والعمليات الانتحارية بحكم معرفتها بطبيعة شمال العراق، وينحدر العديد من عناصر الكتيبة الكردية من مناطق في شمال العراق.
مخطئ من يزعم أن الدولة الإسلامية ليس لها تقدير جيد وحسابات عسكرية صحيحة مع ضعف المعلومات الاستخبارية وأجهزة المراقبة المتطورة، إلا أنها تملك أجهزة ومناظير رؤية ليلية متطورة حصلت عليها من السوق السوداء، ومن غنائم النظام السوري والعراقي.
وفي معارك الدولة الإسلامية في العراق دائمًا اعتمدت أسلوب الانسحاب إذا كانت المعركة سوف تفقد الدولة ذخائر كبيرة ولا يعني هذا أنها لن تعود لهذه المواقع إلا ضمن حسابات عسكرية تصل إلى ضرورة الحفاظ على هذه المواقع.
أي دور لقوات المتطوعين؟
ولقوات المتطوعين حصة في العمليات العسكرية؛ حيث من المتوقع أن تكون قوات المتطوعين داخل المدن، وتقع على عاتقها حماية الجبهة الداخلية، وهي نفسها التي صدت هجوم أحرار الشام وجبهة النصرة على مواقع الدولة الإسلامية في مدينة الرقة قبل أن تصل قوات أبو عمر الشيشاني، قاتلت قوات المتطوعين لعدة أيام في أسلحة فردية تمكنت من خلالها صد هجوم الجيش الحر، وهذا يعني أن الدولة الإسلامية سوف تعتمد على قوات المتطوعين لحماية الجبهة الداخلية من الاختراق وخصوصًا قوات حماية الشعب الكردي .
ولكنها سوف تلتحم مع القوات الأخرى إذا وصلت المعارك لداخل المدن وتشكل معها قوات دعم وإسناد، إلى جانب قوات المتطوعين تسيطر قوة من الجيش الحر بايعت الدولة على الحدود وتشكل حماية للحدود وتتخذ كتيبة مقاتلة غالبها من الأكراد والأجانب، مؤخرة لها.
على كل الحالات أبقت الدولة على خلايا نائمة لا تتحرك، وهذا ما تعرفه القوات الأمريكية جيدًا من خلال تجربتها في أفغانستان والعراق وكل من هذه الخلايا مخزن أسلحة منفرد وقائد منفصل يعمل ضمن حساباته الشخصية دون العودة للقيادة المركزية، وهذا من أخطر المسائل المعقدة التي سوف تواجه القوات البرية وأجهزة الاستخبارات العسكرية.
إن التحالف يواجه جيشًا منظمًا ومدربًا من أكثر من ثمانين دولة في العالم يحكمهم العقيدة الواحدة والطاعة لقادتهم واستعدادهم للموت في سبيل عقيدتهم، وهذا يضيف تحديات أخرى لطبيعة الصراع ونوع المعركة.
إن "القتال على أكثر من جبهة يعني جهلًا عسكريًّا" هذا دائمًا ما يحاول العسكري اعتماده، وهذا تحدٍ خطير لقوات الدولة الإسلامية؛ حيث تقاتل الدولة على جبهات مختلفة بما فيها النظام.
وقد توطدت القدرات العسكرية للدولة الإسلامية؛ باستيلائها على كميات هائلة من الآليات العسكرية والأسلحة والذخائر التي تعود للجيش العراقي، فضلاً عن تجنيد المجندين الجدد؛ حيث تساعد هذه الغنائم من تسليح المزيد من المقاتلين وتجهيزهم، وتنشيط حركتها وتكثيف قوتها النارية وزيادة مرونتها القتالية.
لا أحد يعرف قدرة الدولة الإسلامية على استخدام هذه الأسلحة وإعادة تشغيلها ولا أعتقد أن هذا مهمًا في إدارة المعركة؛ لأن هذه الأنواع من الأسلحة بحاجة إلي قطع غيار وإشراف ونقل وتركيز، وهي بالتالي معرضة للضربات الجوية إضافة إلى أن الأسلحة الثقيلة لدى الدولة غير متكاملة بحيث أنها بحاجة لكميات من الذخائر وهذه معضلة بالغة التعقيد، لكن الدولة سوف تستخدمها بقدر حاجتها لكنها لن تكون أساس المعركة ومثال على ذلك لا يمكن استخدام الدبابات لمعارك الدبابات بل سوف يستخدم جيش الدولة الإسلامية الدبابات لعمليات القصف.
الأسلحة والذخيرة
وتعشق قوات الدولة الإسلامية الحركة والتقدم بسيارات رباعية الدفع مجهزة برشاشات ثقيلة من نوع "دوشكا" أو غيرها من المضادات الأرضية ومدافع قصيرة؛ حيث تعتبر الدولة هذه الوسيلة مرنة وسريعة في التقدم والانسحاب على حد سواء وخصوصًا في حال تدخل الطيران المعادي.
لكن ما يلعب ضد "الدولة الإسلامية" هو أنها تستخدم "هاونات" من عيار 81 و82 و120 ملم، وهي سلاح مدفعي ناري صغير لا يمكن مقارنته بالقوة النارية للتحالف، غير أن الدولة لديها إمكانيات تصنيع القذائف وأنابيب الهاون بدقة لا بأس بها، ومن غير المعروف إذا استطاعت سحب الأجهزة ومعدات التصنيع الثقيلة للخراطة من حلب فغير ذلك سوف يجبر الدولة لصناعة القذائف يدويًّا.
ويستخدم "جيش الخلافة" صواريخ جراد وكاتيوشا قصيرة المدى لكنها تبقى بعيدة عن الأهداف من ناحية الدقة والمدى إلا أنها يمكن تغطية منطقة جغرافية بعدد من الصواريخ، ويعتمد مقاتلو الدولة الإسلامية بشكل رئيس على الأسلحة الفردية في المعارك ومضادات الدروع من أنواع متعددة، أبرزها  الكونكورسKonkurs وماليوتكا Malyutk ، وفاغوت  Fagot، وكوبرا Cobra وإيغلاIgla، إضافة للمدافع الشائعة آر بي جي بمختلف أنواعها.
وليس سوى مقاتلي "الدولة الإسلامية" من خيار سوى المناورة على الأرض والتمويه وتحريك قطع المدفعية باستمرار واستبدال المواقع والانتقال فورًا لمرحلة القتال عبر المواقع المتحركة والابتعاد عن حرب المواقع الثابتة، وهذا تكتيك طالباني مجد يتقنه مقاتلوها، كما أنّ حجم القوة الجوية المتوقع سيكون كبيرًا زيادة على التكنولوجيا المتطورة وفوائدها من حيث الرصد والتصوير وتحديد المواقع ولذلك سوف تعمل "الدولة الإسلامية" على توسيع الانتشار والاحتماء وإظهار أهداف وهمية لطائرات التحالف.
أما تقدم قوات "العدو" على الأرض فلن يكون سهلًا في ظل أساليب وقف وإعاقة التقدم التي أوضحناها، وسوف يكون لقوات "الدولة الإسلامية" فرصة لزراعة الألغام الأرضية والشرك المتفجرة إلى جانب عمليات القصف بالهاونات
وقذائف القنابل والعبوات الجانبية.
فمقاتلو " الدولة الإسلامية" لن يسمحوا بسقوط الموصل، ولا بإغلاق حدود العراق مع سوريا، لذلك سوف تعمل على أسلوب الهجوم المتواصل التي دائمًا ما تعمل به، وهو يقوم على مهاجمة التقدم، ومن ثم الانسحاب والعودة بهجوم قوي.
ومن أهم أسس المعركة التي تستخدمها "الدولة الإسلامية" هو عمليات الاقتحام للمواقع المتقدمة والخلفية؛ حيث تقوم مجموعة من المقاتلين بالتسلل إلى داخل خطوط العدو والاشتباك معه، وتفخيخ منشآته والسماح لمجموعات أخرى بالتقدم، وهذا الأسلوب رائج لديها، كما أنه قاتل ومنهك لأي قوات معادية.
وتسيطر "الدولة الإسلامية" على ما يقرب من 90 ألف كيلومتر مربع، وهو ما يقرب من مساحة الأردن، ولذلك فإنّ استعادة هذه المساحات أو جزء منها لن يمر بنزهة في ظل جيش ضخم ينتشر على الأرض، ومعه قوة إسناد كبرى وقوية من جيش متطوعين، وقوات اعتادت على استخدام أسلوب إطالة المعركة وعدم استقرارها بمفهوم "أنا أتراجع فقط لانقض عليك وأقتلك"، حيث تعتبر وسيلة أتقنتها وعملت بها، ونجحت من خلالها في معاركها حتى الآن.
----
* (ملاحظة المحرر: قضى الصحفي مدين ديرية أسابيع وهو يعمل لموقع "فايس نيوز" في مدينة الرقة معقل تنظيم " داعش" في سوريا، وأنتج فيلمًا وثائقيًّا مثيرًا للجدل تحت عنوان "الدولة الإسلامية."
مدين هو بريطاني- فلسطيني عرف بعمله في أخطر مناطق النزاعات الحربية؛ حيث بثت تقاريره المصورة من قلب المعارك وتمكن من الوصول إلى أخطر المناطق في إفريقيا والشرق الأوسط، ونجح في ربط الصلة بأخطر الحركات المتمردة والمنظمات الجهادية من جبال أفغانستان حتى سيراليون في غرب أفريقيا.

 


إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top