لم
يكن كلام المبعوث الأممي إلى سوريا استيفان دي ميستورا عن إمكانية مناقشة
الفيدرالية كإطار للحل السياسي في الأزمة السورية، كلامًا منفصلاً عن
السياق العام والأفكار المطروحة بقوة سواء كانت روسية أو أمريكية أو حتى
صهيونية.
فوزير
الخارجية الأمريكي جون كيري، حذر بعد ساعات من إقرار الهدنة وقبل تطبيقها
على الأرض بأنه "إذا مضى وقت ولم يتم احترام الهدنة واستمرت الحرب فإن
الكلام عن سوريا الموحدة ربما يكون غير وارد، وربما قد يدفع ذلك الولايات
المتحدة إلى تطبيق الخطة ب"، دون الإفصاح عن مضمون هذه الخطة، وتحدث كثيرون عن أنها خطة لتقسيم سوريا.
في
الوقت الذي قال فيه نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف "إن موسكو
تأمل بأن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية
فيدرالية".
روسيا،
التي تدخلت في سوريا بقوة لإنقاذ نظام بشار، والتي تلعب مع الغرب لعبة
إستراتيجية للتخفيف عن موقفها المتأزم في القرم، تسعى بكل قوة لإقامة نظام
فيدرالي في سوريا، وهي تتعاون مع الأكراد في هذا الصدد، ويقتنع الأكراد بأن
بشار الأسد وحلفاءه الروس أصبحوا أقرب من أي وقت مضى لقبول حل الحكم
الذاتي للأكراد، وقد دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مؤخرًا،
الأمم المتحدة إلى إشراك الأكراد في المفاوضات القادمة، في إشارة إلى
التطور الذي شهدته العلاقة بين روسيا والأكراد.
الموقف
الروسي ينطلق من ثلاثة محددات أساسية، المحدد الأول الصراع التاريخي بين
قياصرة الروس والمسلمين .. فالروس كالغربيين عمومًا لم ينسوا التاريخ وإنما
نحن الذين ننساه، والمحدد الثاني هو الصراع القديم بينهم وبين الدولة
العثمانية الذي انتقل إلى صراع حالي مع تركيا .. وروسيا هنا تريد أن تهزم
تركيا هزيمة كبرى عن طريق أمرين اثنين معًا: الأول زرع دولة كردية على
الحدود التركية، والثاني انتصار بشار الأسد ونظامه الذي وقفت تركيا ضده بكل
قوة، والمحدد الثالث هو اليقظة الإسلامية في الجمهوريات الإسلامية داخل
روسيا نفسها وتفكير هذه الدول في الاستقلال، كما حدث مع الشيشان، أي إن
الروس ينظرون إلى الصحوة الإسلامية على أنها ظاهرة عالمية، وأن عليهم
الانتقال إليها في منشئها ومحاربتها أينما كانت حتى لا تصل إليهم وتتسبب في
إشعال الجمهوريات المسلمة.
أما
الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تتحدث بشكل رسمي عن رفض فكرة
الفيدرالية، ويقول سفيرها السابق في سوريا، روبرت فورد: "إن الأولوية
بالنسبة للولايات المتحدة هي جعل الحكومة المركزية في دمشق قوية بما يكفي
لمواجهة المجموعات المسلحة الناشطة في البلاد، الولايات المتحدة ليست ضد
الفيدرالية وليست في الوقت نفسه مع هذه الفكرة، وكل ما يهمها هو أن تكون
الحكومة في دمشق قادرة على مواجهة تنظيم الدولة وجبهة النصرة".
وهكذا
فإن الولايات المتحدة تتحدث حديثًا شكليًا لا معنى له عن رفض فكرة
الفيدرالية في سوريا، ولكنها في مواجهة تغير الأوضاع الميدانية وتطور مواقف
موسكو والنظام السوري؛ قد تنظر في هذه الفكرة.
ويوضح
نيكولاس هيراس، الباحث في المركز الأمريكي للدراسات الأمنية، الصورة بشكل
أكبر بقوله: "الولايات المتحدة لا تريد أن تظهر كأنها تساند حل تقسيم
سوريا، ولذلك فهي تقول إنها ضد التقسيم، إلا إن الفيدرالية لا تعني تقسيما،
بل هي تحافظ على قدر من السلطة للعاصمة دمشق، وفي المستقبل المنظور يبدو
أن الأسد هو الذي يسيطر على العاصمة".
الأكراد هم حجر الزاوية في لعبة الفيدرالية، فالتطور في الموقف الروسي تجاه الأكراد ودعم الروس لإقامة دولة لهم تمت
ترجمته في شهر شباط/ فبراير الماضي، من خلال افتتاح ممثلية دبلوماسية
كردية في موسكو، في خطوة غير مسبوقة تهدف من خلالها روسيا لبناء علاقات
قوية مع الأكراد لمرحلة ما بعد الحرب.
القادة
الأكراد من ناحيتهم يؤكدون أن هنالك دعما أمريكيا سريا لاتفاق سوري على
نوع من الفيدرالية، تقسم بموجبه البلاد إلى ثلاث مناطق، للعلويين والأكراد
والسنة.
ويستند
التواطؤ الأمريكي الروسي على فكرة الفيدرالية إلى أن هناك ما يدعمها على
الأرض، حيث إن الأكراد حققوا تقدمًا ميدانيًا مهمًا في الفترة الأخيرة على
حساب مناطق سيطرة تنظيم الدولة، بدعم روسي أمريكي كبير، إلا إن الفصائل
الكردية لا تزال غير قادرة على التوحد على كلمة واحدة، إذ إن المجلس الوطني
الكردي المدعوم من مسعود برزاني يفضل العمل مع المعارضة السورية في جنيف،
بينما تم إقصاء حزب الاتحاد الديمقراطي من هذه المحادثات بطلب من تركيا. كما
إن هنالك اتهامات متبادلة بين الطرفين، حيث يوجه المجلس الوطني الكردي
اتهامات لحزب الاتحاد الديمقراطي بالعمل مع الحكومة السورية، فيما يتهم
الثاني الأول بالعمل مع تركيا التي ترفض فكرة الحكم الذاتي للأكراد في
سوريا.
وتكتمل
أطراف التواطؤ الدولي على التقسيم وفكرة الفيدرالية بالموقف الصهيوني، إذ
لطالما كان الكيان الصهيوني صاحب طروحات التقسيم. ومشروع الفدرلة المطروح
روسيا- أمريكيا يراه الكيان الصهيوني حلمًا طال انتظاره. ففي دراسة صدرت
مؤخرًا لـ"مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" الذي يرأس مجلس إدارته
دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية الصهيونية، تتحمس حكومة بنيامين نتنياهو
لفكرة تقسيم سوريا لأنها تقلص مستوى المخاطر الإستراتيجية على الكيان
مستقبلا. الدراسة التي تؤكد رغبة أمريكية روسية مشتركة لتقسيم سوريا تحثّ
الحكومة الصهيونية للدّفع نحو تقسيم سوريا وفق المعايير الأمريكية، وليس
الروسية التي قد تفضي إلى تحسين مكانة إيران هناك.
وفي مواجهة فكرة الفيدرالية والتقسيم يأتي موقف المعارضة السورية والموقف العربي والموقف التركي والموقف الإيراني.
فتركيا
تخشى من ظهور دولة كردية في شمال سوريا، ولهذا فهي ترفض بشكل قطعي فكرة
الفيدرالية؛ لأن هذا سيمكن حزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي من
أن تكون له قواعد خلفية لشن هجماته على تركيا.
أما إيران،
فهي ورغم التنسيق الظاهر مع روسيا في الملف السوري، فإنها متوجسة من
الوجود الروسي في سوريا، وتعي جيدًا أن روسيا تقطف جهودها في سوريا وتتصرف
بأنها السيد الأمر الناهي في أي حلّ سوري. وهنا تأتي تصريحات الرئيس
الإيراني حسن روحاني: "أبلغنا جميع الأصدقاء والجيران وروسيا والآخرين،
صراحة، أن سيادة بلدان المنطقة على أراضيها، مبدأ يحظى بتأكيدنا، سواء فيما
يتعلق بالعراق أو سوريا أو أي بلد في المنطقة، فالسيادة الوطنية ووحدة
التراب أمر مهم بالنسبة لنا".
لكن
يبقى العمل الأساسي في هذا الملف هو للعرب، فأين الموقف العربي من رفض
فكرة الفيدرالية أو تقسيم سوريا؟ أم أن هذا الموقف سيظل موقفًا ذيليًا
تابعًا لأعداء الأمة، يوافقها حتى فيما فيه حتفه ونهايته؟
إن فكرة
تقسيم سوريا ودول أخرى في المنطقة ليست جديدة في حد ذاتها، وفى العقد
الماضي طُرحت كثيرًا ونُشرت عدة خرائط مختلفة من عدة مراكز بحثية مدنية
وعسكرية في الولايات المتحدة وأوروبا والكيان الصهيوني تقسم العراق
والسعودية وسوريا ومصر وليبيا وغالبية دول المنطقة، باعتبار أن الدول
القطرية الوطنية القائمة في هذه البلدان قد نتجت عن اتفاقات استعمارية
تاريخية لم تراع الصراعات والفروقات بين المكونات الإثنية والدينية لكل
دولة، فضلاً أن هذه الدول طوال القرن الماضي قد فشلت في سد الحاجات
الأساسية لمكونات شعوبها العرقية والطائفية، وأن الأفضل هو أن تستقل كل فئة
على أساس ديني طائفي أو عرقي بمنطقة جغرافية تاريخية لها.
والعجيب
أن فكرة تقسيم سوريا تأتي بعد مائة عام من اتفاقيات الدول الاستعمارية
لتقسيم الوطن العربي وتفتيته حتى لا ينهض في وجه الأطماع الصليبية أبدًا،
ففي عام 1916م تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو، وقد قضت الاتفاقية بتقسيم
سوريا إلى أربع إقطاعيات، وصار الترتيب كالتالي: يتم تسليم سوريا الشمالية
والتي شملت ما يعرف الآن بلبنان وسوريا وجزء من جنوب الأناضول لفرنسا
لتمارس انتدابها عليها، أما بريطانيا فتكون منتدبة على شرقي الأردن
والعراق، وتبقى فلسطين منطقة مدولة؛ وذلك للتفكير بوضعها كمنطقة يمكن أن
يقام عليها الوطن القومي اليهودي، وفق ما كانت تطرح الحركة الصهيونية في
ذلك الوقت. بقي هذا الاتفاق سرا عن العرب إلى أن قامت الثورة البلشفية في
روسيا، التي فضحت التآمر الغربي الاستعماري.
فهل
يستسلم العرب مرة أخرى ليتم للغرب الصليبي تقسيم المقسم وتفتيت المفتت في
بلادنا؟ أم ينتفض العرب في مواجهة مؤامرات التقسيم، التي لو نجحت في تقسيم
سوريا اليوم فلن تسكت حتى يتم تقسيم جميع الدول العربية مرة أخرى؟
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر