يمتلك الجيش المصرى مؤسسات اقتصادية بشكل ضخم، ويسيطر على نسبة كبيرة من
الاقتصاد المصرى، الأمر الذى أدى إلى فشل الأوضاع المعيشية لدى المواطن
البسيط؛ بسبب عدم وزن الأمور، ويجعل الجيش دولة داخل الدولة يؤثر على طبقة
كبيرة من غالبية الشعب المصرى .
فقد كشف تقرير لصحيفة ألمانية، يكشف عن إمبراطورية الجيش المصرى، وسيطرته
الكاملة على اقتصاد البلاد، وينقل عن أستاذ بجامعة جورج تاون قوله: "على أى
رئيس مصرى قادم أن يعمل على المدى الطويل على تفتيت تلك الإمبراطورية،
وتنحية الجنرالات بكل الوسائل الممكنة قبل الدخول فى أى مواجهة".
تحت عنوان "الجيش المصرى، هو القوة الاقتصادية الحقيقية فى مصر "كتبت صحيفة
العالم (Die Welt) الألمانية"، والذى ترجمه "نون بوست"، أن الجيش المصرى
يسيطر على نحو 45% من الاقتصاد المصرى.
وأكدت الصحيفة أنه بعد رحيل مبارك، وتولى المجلس العسكرى زمام الأمور
بقيادة المشير حسين طنطاوى، البالغ من العمر 75 عامًا، فإن المجلس عمل بكل
ما لديه من قوة على حماية تلك المصالح الاقتصادية المربحة، والتى جعلت من
الجيش إمبراطورية تجارية، وأحد أهم العوامل المؤثرة فى اقتصاد البلاد،
وأكدت الصحيفة أن الجيش المصرى يمتلك المئات من الفنادق، والمستشفيات،
ومصانع التعليب، والنوادى، والمخابز بالإضافة إلى عشرات الآلاف من
العاملين، فيما لا يقل عن 26 مصنعًا تقوم بتصنيع السلع الاستهلاكية
للمصريين، مثل: الثلاجات، والتلفزيونات، والحواسيب؛ بالإضافة إلى تصنيع
عربات القطار الجديدة للسكك الحديد، وأيضًا سيارات الإطفاء كما يعمل على
توفير محطات حرق النفايات، ومياه الصرف الصحى إذا تطلب الأمر، وكل ذلك يصب
فى النهاية عند الجيش وطنطاوى.
ونقلت الصحيفة عن الخبير فى شئون الشرق الأوسط "روبرت شبرنجبورج" (Robert
Springborg) أن الجيش صار أشبه بالإمبراطورية، التى تشغل مئات الآلاف من
المدنيين، وتجنى مليارات الدولارات، وأن الجيش أصبح كالشركة التى لا تخوض
حروبا فى الخارج، ولكن تعمل على سد استهلاك المدنيين، كما أن وزير الدفاع
أصبح يعمل كمدير لتلك الشركة، وبدلاً من التفكير فى المسائل العسكرية، أصبح
وزير الدفاع مشغولاً طول الوقت بإدارة أعماله التجارية.
حتى المستثمرن الراغبون فى الاستثمار فى القطاع الخاص، سواء فى الاستثمارات
العقارية، أم المنتجعات السياحية على طول البحر الأحمر مثلاً عليهم تأجير
مساحات الأراضى المطلوبة من وزير الدفاع.
وذكر شبرنجبورج، والذى يعمل أستاذًا فى كلية البحرية الأمريكية فى
كاليفورنيا: "إن تلك المصالح التجارية يمكن أن تكون الدافع وراء عدم قمع
الجيش للثورة من اللحظة الأولى، فالثورة، ومشاهد الدماء فى البلاد هما أمر
سيء جدا بالنسبة لأى رجل أعمال، كما أضاف أن المؤسسة العسكرية بقيادة
طنطاوى، عملت على عدم وصول أى رئيس مدنى حقيقى للسلطة، حتى لا يتم الكشف عن
تللك السجلات.
وقالت الصحيفة: "إنه منذ أن أسقط الجيش المصرى الملكية فى 1952، وجميع
رؤساء الجمهورية جاءوا من الجيش (نجيب – عبد الناصر – السادات – مبارك)،
ويرجع الفضل فى تضخم الإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصرى إلى الحدث
التاريخى الذى شهده عام 1979، وهو اتفاقية "كامب ديفيد"، والتى منذ إبرامها
بدا الجيش فى الاستثمار فى كل شيء فى البلاد بدءًا من الزراعة إلى بناء
الطرق، والكبارى، والاستثمار العقارى، والصناعات الإلكترونية؛ مرورًا
بمصانع اللبن، والدجاج، ومزارع تربية العجول والأبقار، ومزارع الخضروات
والفاكهة، ومصانع
المعلبات والمزارع السمكية.
السياحة مصدر ثروة كبار الضباط
بالإضافة إلى كل تلك المشروعات المربحة، اقتحم الجيش المصرى مجال السياحة
بقوة، وراح كبار قادة القوات المسلحة يتملكون ويديرون كبريات الفنادق،
والقرى السياحية فى شرم الشيخ، وهى المشروعات التى قالت الصحيفة: "إنها
بدأت منذ عهد المشير عبدالحليم أبو غزالة، (وزير دفاع مصر فى أواخر عهد
أنور السادات، وبدايات عهد مبارك)، والذى بدأ مسيرة القوات المسلحة
الاقتصادية؛ لكن مبارك لم يلبث أن عزل أبو غزالة فى عام 1989 من منصب وزير
الدفاع؛ لحرص مبارك على إقصاء كل منافسيه على السلطة، وخوفًا من شعبية أبو
غزالة المتزايدة من جهة، ولشيوع رائحة الفساد فى إمبراطورية الجيش
الاقتصادية التى يشرف عليها أبو غزالة.
وزير الدفاع الجديد يوسف صبرى أبو طالب كان مختلفًا عن أبو غزالة، وكان
يسعى لإبعاد الجيش عن أى مشروعات اقتصادية غير مرتبطة بالدفاع، وتنافس
القطاع الخاص، وأكد أبو طالب أنه سيحارب الفساد فى المؤسسة العسكرية لكن
الرجل لم يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه؛ حيث تمت إقالته فى 1991، ربما
لنواياه تلك! كما تم تعيين محمد حسين طنطاوى بدلاً منه، وهو الرجل الذى رفض
كل محاولات حل الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، بل على العكس من ذلك، فقد
قام الجيش فى العشر سنوات الأخيرة بالسيطرة على العديد من الشركات الحكومية
التى تم خصخصتها، أو التعاون مع مالكيها الجدد.
شركة الأهرام للمشروبات على سبيل المثال، وهى إحدى الشركات الاحتكارية تم
خصخصتها عام 1997، وآلت ملكيتها فى 2002 إلى شركة هاينكن (Heinken)
الهولندية فى 2002، وبعد ذلك بعام واحد حصلت الشركة على حق توزيع مياه
"صافى" المعدنية، التى ينتجها الجيش من واحة سيوة، وبالطبع وراء ذلك مغزى
كبير يشرحه مدير شركة الأهرام للمشروبات السابق أحمد الزيات؛ حيث يقول:
"عندما نقوم بتوزيع منتجاتنا (بيرة وخمور) مع منتجات ينتجها الجيش، كمياه
"صافى" المعدنية؛ فإن حماية الشرطة المحلية لشاحناتنا تصبح مضاعفة كما أن
الشرطة ستفكر ألف مرة قبل أن تضايقنا".
مثال آخر هو الشركة العربية الأمريكية للسيارات (Arab American Vehicle) ،
والتى يديرها الجيش بالتعاون مع شركة كرايسلر الأمريكية لصناعة السيارات،
فهذه الشركة لا تنتج المعدات والمركبات العسكرية، فحسب ولكن أيضًا سيارات
الجيب شيروكى ورانجلر للاستخدام المدنى.
الأمثلة عديدة، لكن أغلب البيانات عن إمبراطورية الجيش العسكرية لا تزال
سرية، لكنها ليست سرية على الاتحاد الفيدرالى العلمى الأمريكى، والذى أفاد
بأن مصنع 54 الحربى على سبيل المثال، والذى يتم التمويه عن اسمه باستخدام
اسم بديل، هو "شركة المعادى للصناعات الهندسية"، لم يعد ينتج بنادق قتالية
أو مدافع رشاشة بل بات ينتج سكاكين مطبخ، وشوك، ومشارط ومقصات.
مصنع آخر، هو مصنع 63 الحربى، أو حلوان للصناعات غير الحديدية لم يعد لديه
أى طلبات شراء خراطيش أسلحة فاتجه المصنع إلى صناعة الكابلات، وحنفيات
بلاستيكية لرى الحدائق، وأكواب الشاى البلاستيكية.
أما مصنع رقم 100 أو "أبو زعبل"، فلم يعد ينتج الديناميت، وقذائف الدبابات
فقط، بل أصبح ينتج الأسمدة، ومستحضرات التجميل بينما لم يكتفِ مصنع رقم 360
أو شركة حلوان للأجهزة المعدنية بصناعة أغطية الألغام بل بدأ فى تصنيع
الثلاجات، والتكييفات.
الجنرال سيد مشعل، وزير الدولة للإنتاج الحربى، والرجل الثانى فى
الإمبراطورية الاقتصادية بعد وزير الدفاع صرّح أثناء عرضه لميزانية عام
2010، والخاصة بنشاط عدد من المصانع الحربية بأن الوزارة قامت بتوريد 40
قطارًا، و 220 وحدة تنقية مياه، و 50 وحدة معالجة صرف صحى، وقال مفتخرًا
أنه تم تطوير صناعة الثلاجات، وأن صناعة التلفزيونات قد تراجعت؛ بسبب
المنافسة القوية فى السوق المحلى.
وأضافت الصحيفة، أن عشرات الآلاف من المدنيين يعملون ضمن المنظمة
الاقتصادية العسكرية، وأن مؤسسة الجيش المصرى التجارية تحصل على امتيازات
لا ينافسها فيها أحد حيث يعمل فى شركات الجيش الكثير من المجندين
الإلزاميين، الذين يخدمون فى تلك الشركات لشهور دون مقابل ويقدر الاقتصادى
الشهير شبرينجبورج (Springborg) عدد أولئك المجندين بقرابة الـ100 ألف مجند
يمثلون قوى عاملة مجانية فى إمبراطورية الجيش الاقتصادية، كما يتمتع
اقتصاد العسكر فى مصر بميزات احتكارية أخرى، من أبرزها الإعفاء من الضرائب،
والإعفاء من الحصول على التراخيص، والإعفاء من دفع الرسوم المستحقة،
والإعفاء من أى مساءلة قانونية علنية أو محاسبة مالية.
كما ذكرت الصحيفة أنه لا يمكن لأحد تحديد الحجم الفعلى للإمبراطورية
الاقتصادية للجيش، ولكن وفقا للخبير الاقتصادى بول سوليفان يقدر حجم
الاقتصاد العسكرى بحوالى 138 مليار يورو يترواح بين 5-15 % من الناتج
المحلى، ويقول جوشوا ستاش، الباحث فى جامعة ولاية كينت، أن الجيش يسيطر على
نحو الثلث إلى 45% من الاقتصاد الموجه، ولكن فى الحقيقة لا أحد يملك وثائق
أو بيانات محددة.
وأضافت الصحيفة أن صعوبة تحديد الحجم الحقيقى لاقتصاد الجيش تكمن فى أنه لا
يوجد بيانات حقيقية عما يخص المؤسسة العسكرية، فليس فقط مصانع الأسمنت،
وشركات البناء والمصافى التى تخضع شكليا لبعض اللواءات المتقاعدين، وكبار
الضباط، ولكن تمتد أذرع المؤسسة العسكرية داخل العديد من الوزارات
المتداخلة، مثل: الاتصالات أو شركة مصر للطيران؛ بالإضافة إلى أن رئيس مجلس
إدارة قناة السويس، والتى تبلغ أرباحها السنوية حوالى 5 مليارات دولار
لابد أن يكون عسكريًّا كما ذكرت الصحيفة أن حوالى 21 من إجمالى 29
محافظًا كانوا فى الأساس عسكريين، أومن الشرطة أو المخابرات.
الجيش تسبب في غني الكثيرين
بلا
شك ساهمت إمبراطورية العسكر الإقتصادية في تحقيق إزدهار إجتماعي وإقتصادي
للكثير من المواطنين المصريين الفقراء بل إن تلك الإمبراطورية حققت
الرفاهية لرؤساء كعبد الناصر والسادات ومبارك وعمر سليمان والذين جاءوا
جميعاً من عائلات متوسطة الحال ثم صاروا من الأغنياء كما حققت تلك
الإمبراطورية نسبة تشغيل عالية للعاطلين المصريين حيث تعتبر تلك
الإمبراطورية التي قوامها 420 ألف جندي بالإضافة إلي مئات الالاف من
المدنيين أكبر مُشغل للعمالة في مصر.
وأشارت الصحيفة إلي أن مؤسسة الجيش الإقتصادية كانت تدعم المصريين في
الأزمات القومية التي يتعرضون لها مثل قيام القوات المسلحة بتوزيع الخبز
علي المواطنين في صيف 2010 بعد حدوث نقص حاد في رغيف الخبز حيث قامت مخابز
القوات المسلحة في كل محافظة بإنتاج وتوزيع مليون رغيف لكل محافظة لحل
الأزمة وأن الجيش كان له فضل كبير في بناء المصانع وإمداد تلاميذ المدارس
بالتغذية المدرسية وإهداء وزارة الكهرباء مولدات كهربائية لتوصيل الكهرباء
إلي القري والأرياف المصرية.
الجيش يسعي لمنع المدنيين من الوصول للسلطة
وأضافت الصحيفة أن ذلك المشهد الجميل من رفق العسكر بالشعب المصري شابته
بعض الشوائب ومنها مثلاً أنه في صيف (2010) وبصورة استثنائية حدثت فضيحة في
إحدى مصانع الجيش بالقاهرة وهو مصنع “حلوان للصناعات الهندسيه – مصنع 99
الحربى” بعدما تقدم عمال المصنع بمذكرة احتجاجية نظرا لعدم وجود تدابير
أمنية كافية بعد الانفجار الذي حدث في أواخر يوليو 2010 ولكن دون جدوى ،
فبعد أسبوعين فقط لقي أحمد عبد الهادي أحد العاملين بالمصنع حتفه نتيجة
انفجار آخر ,الأمر الذي أدى إلى توقف زملائه عن العمل ولم يكتفوا بذلك فقط
بل تمكنوا من نشر وقائع الحادثة عبر شبكات الإنترنت من خلال مواقع تتبع
لجماعة الإخوان المحظورة رسميا في ذلك الوقت.
ولكن الأمر تعقد بعد ذلك بعد أن تم مقاضاة 8 من العمال أمام إحدى المحاكم
العسكرية بتهم إفشاء الأسرار العسكرية وتم إطلاق سراح ثلاثة منهم ووضع خمسة
منهم تحت المراقبة بعد أن طالبت منظمات حقوقية مصرية بتخفيف الأحكام
الصادرة بحقهم .
وأشارت الصحيفة إلى أن تخفيف القضاة للحكم جاء بسبب ترشح وزير الدولة
للإنتاج الحربي السيد مشعل للإنتخابات البرلمانية في 2010 تللك الواقعة
التي لم تساعد في وصوله إلى البرلمان ولكن الفضل يرجع إلى عملية التزوير
الواسعة لنتيجة الانتخابات .
لكن الفضيحة الثانية لم تنتظر طويلا ففي الأول من ديسمبر من ذات العام تسبب
سقوط إحدى جدران “نوادي الإنتاج الحربي” في مقتل العديد من المارة.
الأمر الذي أدى إلى احتجاج الآلاف من السكان الذين طالبوا الوزير مشعل مرار
وتكرارا بإصلاح الجدران المتداعية وشارك في تلك الإحتجاجات الصغيرة الآلاف
من عمال المصانع الحربية وبعد كل تلك الاحتجاجات استولى الجيش على السلطة
بعد رحيل مبارك مخالفا بذلك الدستور المصري الذي ينص على تولي رئيس
البرلمان وذلك على خلفية البيان الذي ألقاه اللواء السابق عمر سليمان والذي
كان لا يزال نائبا لمبارك وقتها.
ونقلت الصحيفة عن الاقتصادي الألماني سبرنج بورج قوله ” أن التغيير الحقيقي
يأتي عندما يصبح على رأس السلطة رئيس مدني ويطالب الجيش بالكشف عن
سجلاته”. كما نقلت الصحيفة تصريحا مماثلا لسامر شحاتة وهو أستاذ في جامعة
جورج تاون ” أنه لابد على أي رئيس مصري قادم على المدى الطويل أن يعمل على
تفتيت تلك الإمبراطورية وتنحية الجنرالات بكل الوسائل الممكنة قبل الدخول
في أي مواجهة.”
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر