0
  يقارن الكثيرون بين غروزني في الشيشان وحلب في سوريا، التي يعتبرونها المعركة المفصلية في تاريخ الثورة السورية، كما كانت معركة غروزني المعركة الفاصلة في تاريخ الشيشان الحديث.
لكن الوقائع على الأرض تؤكد أن معركة حلب وبغض النظر عن نتائجها لن تكون المعركة الأخيرة -على الرغم من أهميتها-، بل ستكون مجرد معركة من ضمن سلسلة معارك ستُجبر القوى المتقاتلة في سوريا على خوضها، والتي لن تنتهي قبل تدمير إحدى هذه القوى تماماً، وإخراجها من الساحة السورية بشكل كامل.

ما هي استراتيجية النظام في حلب؟

تعتمد استراتيجية النظام في حلب على ثلاثة عوامل أساسية، العامل الأول هو الاستنزاف على المستويات كافة، عسكرياً ونفسياً وغذائياً وصحياً، وتدمير كافة المصادر التي تتعلق بحياة المدافعين، وتساهم في إمكانية صمودهم ومتابعة القتال، والضغط عليهم عبر المجازر بحق المدنيين.

 العامل الثاني، منع الثوار في داخل المدينة من تجميع قوتهم أو تمكينهم من شن أي هجوم منظم من الداخل نحو الخارج، وذلك بمهاجمة جميع الجبهات بشكل متتالي أو متزامن، بهدف إجبارهم على الاستمرار بنشر مقاتليهم على كامل خطوط التماس مع قواته، وشن هجمات متزامنة ومتتالية بهدف إرهاقهم بشكل دائم، ووضعهم في وضع دفاعي بشكل مستمر، ما يعطي زمام المبادرة دائما للنظام، ويجعله يتحكم في تفاصيل المعارك بشكل كامل من ناحية اختيار الزمان والمكان.

العامل الثالث هو القضم التدريجي، حيث يعمد النظام إلى السيطرة على أجزاء صغيرة كل مرة من المناطق المطلوب التقدم فيها وتثبيت وضعه، ثم الانتقال للسيطرة على أجزاء صغيرة وهكذا دواليك، حيث يدرك النظام عدم قدرته على السيطرة على مناطق واسعة دفعة واحدة، بسبب استحالة الدفاع عنها بالنسبة له، وصعوبة تثبيت وضعه في مناطق واسعة بسرعة خصوصاً مع معرفة الثوار التامة بالمناطق ومنافذها وطرقها وإمكانية التفافهم وتطويقهم لأجزاء من قواته، ما يدفعه للتركيز على قطاعات صغيرة جداً، مثل عدة كتل من الأبنية أو أجزاء من شارع محدد، حيث يركز قدراته النارية على المنطقة المستهدفة وبخاصة المدفعية والطيران، بهدف إجبار الثوار على الانسحاب منها والتراجع، وتخفيض احتمالية اشتباك قواته المباشر مع الثوار، ما يخفض خسائره ويساهم في تقدم قواته ورفع روحها المعنوية (عمليات قتال عن بعد)، والتغطية على تعاسة مستوى تدريبها وقدرتها القتالية، عل الرغم من استخدامه لكثافة بشرية عالية أثناء هجماته، الأمر المستوحى من الأسلوب الإيراني خلال حرب الخليج الأولى ضد العراق والتي اعتمدت على التفوق العددي لمجاراة التفوق النوعي للجيش العراقي.

يستخدم النظام عدة أدوات لتحقيق استراتيجيته في حلب، وهي الحصار ومنع المساعدات، وقصف المشافي، وقصف كل مقومات الحياة، والكثافة النارية العالية تجاه القطاعات المطلوب السيطرة عليها، والكثافة البشرية التي تسمح له بإدامة زخم أي هجوم لفترة طويلة وتبديل العناصر باستمرار بهدف إراحتهم، في حين لا يمتلك الثوار الكثافة العددية المناسب، كذلك تكرار عمليات الهجوم على نفس القطاع أو المحور، بهدف كشف نقاط القوة والضعف واستغلالها، وتحديد مرابض الأسلحة المختلفة، وخطة الدفاع وحتى الانسحاب والهجوم المعاكس للثوار، وحتى شن هجمات وهمية وتشتيتية وتثبيتية ضد الثوار، بهدف تشتيت قوتهم وإجبارهم على توقع هجوم النظام من جميع المحاور، إضافة لعمليات الاستطلاع البصري المباشر وغير المباشر عبر وسائل الاستطلاع الجوية المسيرة، إضافة لعمليات الاستطلاع اللاسلكي والعملاء.

"مساكن هنانو"

أحدث معارك النظام في حلب كانت في حي "مساكن هنانو" الواقع شمالي شرقي حلب، ويعتبر منطقة ضغط النظام الرئيسية حالياً، حيث يسعى النظام للسيطرة على الحي بالكامل بهدف قسم الأحياء التي يسيطر عليها الثوار إلى قسمين، شمالي وجنوبي، بهدف الاستفراد بالقسم الشمالي والسيطرة عليه بحكم أنه الأصغر، وتطبيق نفس التكتيك مع القسم الجنوبي لاحقاً، بتقسيمه ثم السيطرة عليه تباعاً، في ما يمكن اعتباره محاكاة بشكل أو أخر لبعض تكتيكات معركة غروزني.

لماذا مساكن هنانو؟

يمتد حي مساكن هنانو بشكل مضلع طوله قرابة 2 كم وعرضه قرابة الكيلومتر، ويفصله عن باقي الأحياء من الغرب شارعان رئيسيان، هما شارع الشيخ نجار(المنطقة الصناعية) وشارع "عز الدين القسام"، فسيطر النظام بداية  على الكتلة الشمالية في الحي، والتي تشمل في مركزها ما يعرف بحديقة هنانو، ما يجعل سيطرة النظام على المنطقة مرتبطة فعلياً بكونها خالية من الأبنية، وهي عبارة عن كتلتين من الأبنية على جانبي الحديقة المفتوحة.

اختار النظام حي هنانو تحديداً لتنفيذ هذا الهجوم الأولي في عملية تقسيم حلب الشرقية، بحكم طبيعة المنطقة التي تحتوي كثافة أبنية منخفضة، فهي مكونة من مجموعات من الأبنية المتناسقة والموزعة بانتظام، ما يضعف فاعليتها في امتصاص آثار القصف ويزيد من فاعلية القصف المدفعي والصاروخي والضربات الجوية، ويصعب عمليات إنشاء الاستحكامات الهندسية الدفاعية، ويسمح بكشف مرابض الأسلحة المختلفة بسرعة، سواء بالاستطلاع الجوي أو المباشر، وخاصة الدبابات والمدفعية المضادة للطائرات المحملة على عربات.

 كذلك تحتوي المنطقة الكثير من المساحات المفتوحة التي يمكن تحويلها لمناطق قتل، والسيطرة عليها وإغلاقها نارياً، عبر القناصة (بخاصة عيار12.7) ومنصات إطلاق صواريخ م/د (كونكورس ميتس كورنيت)، والتي أصبحت من أكثر الأسلحة استخداماً عند النظام بسبب مرونة استخدامها ودقتها وتوفر الكثير من ذخيرتها، حيث يعني ذلك السيطرة على هذ المناطق نارياً من وجهة نظر النظام، ومنع الثوار من تنفيذ أي مناورات ضمنها أو أي عمليات هجمات مضادة.

استطلاع بصري

يواجه الثوار مشكلة في التنقل المستور في هذه المنطقة، والتي تكاد تكون مستحيلة، لأن وسائل استطلاع النظام وروسيا المحمولة جواً ستكون قادرة على تحديد مواقعهم بشكل سهل (خصوصاً مع تجاهلهم لعمليات التمويه الفعالة)، وتوجيه الرمايات المدفعية والصاروخية والضربات الجوية تجاههم بشكل مباشر وسريع نسبياً، بسبب حرمانهم من ميزة التنقل عبر الأبنية التي يمتلكونها في المناطق التي تحتوي أبنية متلاصقة ومتداخلة، في حين لا تتوفر هذه الميزة لدى الثوار بنفس المستوى، على الرغم من امتلاكهم للحد الأدنى من وسائل الاستطلاع الجوي.

طرقات مستقيمة!

نموذج الطرقات في المنطقة والتي تمتد بشكل مستقيم لمسافات طويلة نسبياً، وتتوزع الأبنية بشكل متناسق على جانبي الشارع، ما يعني أن السيطرة على أحد طرفي الشارع مع توافر أجهزة بصرية جيدة، قد تعني فعليا تحويل الشارع لمنطقة قتل ومنع مرور الأفراد والعربات عبره، باستخدام القناصة ومنصات صواريخ م/د، الأمر الذي ينطبق على الثوار والنظام (يصعب الأمر كذلك انتشار الركام في الشوارع)، ما يجعل مهمة النظام في السيطرة على هذه المناطق صعبة نسبياً، لكنها تعطيه تفوقاً تكتيكياً في حال استطاع تثبيت وضعه في المناطق التي يسيطر عليها وتأمينها، خصوصاً ضد العربات المفخخة والمدرعات والتي سوف تضطر للمسير ضمن طرق إجبارية، تشرف عليها بشكل مباشر منصات قواعد م/د ومدفعية مضادة للطائرات وقناصة.

بالنسبة للنظام يعتبر الهجوم في هذه المنطقة من الشرق باتجاه الغرب هو الطريقة الأفضل تجنباً للوقوع في فخ الطرقات الطويلة المفتوحة، والتي ستتسبب له بالكثير من الخسائر، خصوصاً أن قواته سوف تكون مكشوفة لمسافات طويلة، ووجود أبنية عالية تشرف على محاور تقدم هذه القوات التي تتحدث مصادر ميدانية أنها مشكلة بالدرجة الأولى من عناصر من لواء القدس الفلسطيني، ما يعني أنهم عناصر منخفضو التدريب والخبرة، ولن يستطيعوا التقدم بدون دعم جوي وناري كبير، ولا يوجد مشكلة في وقوع خسائر بشرية في صفوفهم.

محور هنانو - الصاخور

يعتبر الهجوم في حي مساكن هنانو بالنسبة للنظام أفضل تكتيكياً وبشرياً ومعنوياً، من الهجوم من جهة حي الصاخور على الجهة المقابلة، لعدة أسباب منها ما هو عسكري بحت ومنها ما هو نفسي، حيث يسعى النظام لتحطيم معنويات المدافعين عبر التقدم السريع في عدد من المناطق المنخفضة كثافة الأبنية، والتي يصعب الدفاع عنها، مثل حي "مساكن هنانو" بهدف الحصول على نصر معنوي بالإضافة للتقدم العسكري، والعمل على فصل الأحياء الشرقية إلى كتلتين، حيث سيصبح النظام على بعد أقل من 2 كم لفصل حلب الشرقية إلى قسمين.

 فيركز النظام جهده الناري والبشري على المنطقة الشرقية من الجزء الشمالي للمنطقة المحاصرة، حيث يهدف للسيطرة على محور دوار الصاخور – المقبرة الإسلامية، والذي سيعزل الأحياء الشمالية ( الصاخور- الشيخ خضر – الشيخ فارس – مساكن هنانو- الانذارات- الهلك) وغيرها من الأحياء، حيث يهاجم النظام على طول الجبهة الشرقية لهذه الأحياء بهدف تشتيت جهد الثوار الدفاعي وإرهاقهم ومنعهم من تخصيص جزء من قواتهم لتنفيذ عمليات وهجمات مضادة حقيقية ضد النظام، أو حتى تنفيذ عمليات تقدم مهمة تعطل خطته الأساسية في فصل أحياء حلب الشرقية لقسمين، ومنعهم من العمل على كسر الحصار بالتعاون مع الثوار خارج الأحياء المحاصرة في حلب.

فخطة النظام كانت واضحة منذ انتهى من إطباق الطوق على حلب، وهي خطة مبنية بشكل استراتيجي كامل، ويعرف كل طرف فيها دوره بشكل محدد وواضح، النظام يسعى لتجزئة المنطقة المحاصرة من حلب، ثم السيطرة عليها أو تدميرها بمن فيها، يمكن القول أن الفرق الجوهري والأساسي بين النظام والثوار في معركة حلب هو أن النظام يعرف ما يريده تماماً، ويعمل بشكل استراتيجي على المدى البعيد نسبياً للوصول إلى هدفه، في حين يفتقر الثوار للتخطيط على المستوى الاستراتيجي، والاكتفاء بالعمليات التكتيكية، التي غالباً ما تكون في موقع رد الفعل وليس المبادرة.
المصدر اورينت نت

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top