لن تجد في التاريخ حكاماً يقاتلون من أجل الخلاص من قطعة أرض لهم
وإعطائها لدولة أخرى. وأتحدى أن تجد مثيلا لما تفعله حكومتنا الغراء في
جهادها العنيد ضد الرأي العام المصري من أجل إثبات أن الجزيرتين سعوديتان!!
وحتى
عندما أصدرت محكمة القضاء الاداري حكماً بمصرية الجزيرتين وهو حكم نهائي
واجب النفاذ (حسب القانون) ولا يوقف نفاذه الطعن أمام الادارية العليا، كما
هو حال حكم المحكمة الجنائية لا يوقفه النظر أمام النقض حتى يصدر النقض
حكمه. ولكن لأن حكومتنا تدوس على القانون عندما تريد فقد اجتمع مجلس
الوزراء بجلالة قدره وأعاد الموافقة على تسليم الجزيرتين للسعودية، وذهب
رئيس الوزراء بنفسه- الذي لا نعلم أي سجل سياسي له- إلى البرلمان لتسليم
القرار.
السوابق التاريخية كلها تقول أن أي بلد يتعرض لهذا النزاع
تقف الأمة كلها حكومة وشعباً للتمسك بالأراضي الوطنية، إلا في الاتفاقات
التي تحدث عقب الهزائم في الحروب، فقد تحدث تنازلات من قبيل الاذعان،
وتتوافق الأمة كلها على هذا التنازل.
السعودية تتعامل معنا باعتبارنا
عبيد أذلاء لنعمتها، واشترط سلمان ألا تهبط طائرته مصر إلا بعد إعلان مصر
الاذعان بتسليم الجزيرتين. فلماذا هذا الاصرار السعودي على أرض صغيرة لا
تمثل شيئاً لأراضي السعودية الشاسعة الخالية من السكان؟ بل لقد أرسلت
السعودية مبعوثا منذ أيام يربط تحسين العلاقات بتسليم الجزيرتين. السعودية
لم تهزمنا في حرب ولكنها تشترينا بأموالها ورغم اعلان حكامنا التمسك
بالكبرياء. ولكنهم يتراجعون الآن بسهولة تحت نظرية أصلية عند حكام كامب
ديفيد (الكبرياء مايأكلش عيش)!
لماذا اصرار السعودية على هاتين الجزيرتين بكل هذه الشراسة؟
حل اللغز
كشفته "الشعب" من عدة أسابيع عندما نشرت ان السعودية اتفقت مع اسرائيل على
تسليمها الجزيرتين في اطار تحالف سعودي- اسرائيلي يتنامى علناً وليس سراً
فحسب..في اطار تحالف ضد ايران، والسعودية ترى أن اسرائيل أمينة معها ضد
ايران أكثر من أمريكا غير المضمونة بعد قانون جاستا وبعد اتفاق النووي مع
ايران. حقا ان ترامب يختلف مع اوباما بالنسبة لايران، ولكن ليس بالنسبة لـ
(جاستا) الذي يبيح محاكمة مسئولين سعوديين أمام محاكم أمريكية. وترامب غير
مضمون في سياسته تجاه السعودية والخليج. أما اسرائيل فموقفها ثابت تجاه
ايران. ثم جاء مكرم محمد أحمد (وهو ليس بعيدا عن مصادر المعلومات المصرية
الرسمية) ليؤكد- في قناة صدى البلد- ما ذكرته "الشعب" من أن الجزيرتين
ستسلم فوراً من السعودية إلى اسرائيل. اذن فحكام مصر يخدمون اسرائيل، وهم
يعلمون. ولكنهم في الحقيقة يطعنون الأمن القومي المصري في مقتل، وهو أمر لم
نتوقعه عندما نعرف أن المؤسسة العسكرية هي الحاكم الحقيقي للبلاد. فكيف
يحدث هذا؟
الجزيرتان ليستا قطعة أرض عادية. فحتى ان لم تكن مصرية
لتمسكنا بها وحكاية جنسية الجزيرتين مسألة سخيفة، فالسعودية كلها كانت
تابعة لمصر لمئات السنين فلا داعي لإثارة هذا الموضوع لأنه لا معنى له.
ويكفي أن يقال أن السعودية قالت لمصر: خذي الجزيرتين حتى تهرب من المواجهة
مع اسرائيل لأنها كان من الممكن أن تستعين بقوات مصرية مع بقائهما في اطار
السعودية. وبالتالي فهذه وصمة عار يجب أن يخفيها حكام السعودية بدلا من
التذكير بها.
نعود فنقول وهذا هو جوهر الموضوع إن الجزيرتين ليستا
قطعة أرض عادية. بل بسببهما قامت حرب 1967 التي لا تزال مصر تعاني من
ويلاتها حتى الآن بل كل المنطقة العربية (نزع سلاح سيناء وخضوعها للمراقبة
الدولية- وخضوع مصر للهيمنة الأمريكية- احتلال القدس والضفة الغربية
والجولان). وهذه قصة الجزيرتين:
(1) بعد وقف اطلاق النار في حرب
1948 تقدمت القوات الاسرائيلية واحتلت قرية أم الرشراش المصرية وأقامت
ميناء ايلات على البحر الأحمر. ولكنه لم يكن له أهمية إلا في العوم
والسباحة (بلاج!!) لأن مصر كانت تغلق خليج العقبة من أسفله من مضيق تيران
وصنافير التي تتحكم فيه الجزيرتان أمام شرم الشيخ.
(2) من مكاسب
اسرائيل في حرب 1956 التي أخفاها اعلام ناصر أن شرط انسحابها من سيناء
اقترن بفتح المضيق بعد أن أصبح تحت إمرة قوات الأمم المتحدة. وبدأ يظهر
المكسب الاستراتيجي لميناء ايلات الذي انفتح على البحر الأحمر ومن ثم على
أفريقيا وآسيا.
(3) عندما تقدمت القوات المصرية في سيناء في مايو
1967 كنوع من التضامن مع سوريا التي كانت معرضة لهجوم اسرائيلي، عندما
تقدمت القوات المصرية كان لابد للقوات الدولية أن تنسحب، وتولت قواتنا موقع
الجزيرتين أي المضيق وأغلقته أمام السفن الاسرائيلية، وأمام أي سفن تحمل
شحنات استراتيجية لاسرائيل.
(4) صحيح أن الضربة الاسرائيلية لها
أسباب عديدة وعلى رأسها قصم ظهر نظام عبد الناصر. ولكن اغلاق المضايق كان
عملاً عدائياً ضد اسرائيل وخنق ميناء ايلات ومنع اتصال اسرائيل بالبحر
الأحمر، وقد أدى الأمر إلى اعلان استدعاء الاحتياطي وهو أمر لا يتحمله
المجتمع الاسرائيلي أكثر من 3 أسابيع، وكانت هناك محاولات لتسوية الأمر
وصلت إلى حد احتمال عقد لقاء بين عبد الناصر وأشكول رئيس وزراء اسرائيل في
موسكو سراً وقد وافق عبد الناصر على اللقاء ثم تراجع بسبب رفض القيادة
السورية.
كان اغلاق المضايق عملاً ضاغطاً على اسرائيل وقد رجح رأي
الضربة الاستباقية في أوساط النظام الاسرائيلي. فكانت حروب الساعات الست!
(1967)
(5) ظلت اسرائيل مسيطرة على المضايق حتى الآن منذ احتلال
سيناء ثم في إطار كامب ديفيد بالسيطرة المباشرة ثم من خلال إقرار مصر بفتح
المضايق ووجود قوات دولية تشرف عليها. حيث أصبحت الجزر في المنطقة ج. (ولم
نسمع عن السعودية وقتها)
(6) اسرائيل لا تأمن مستقبل مصر وتعرف أن
ضمير الأمة المصرية سيدفعها للصدام مجدداً مع اسرائيل. ولذلك فهي تريد أن
تكون الجزيرتان في أيديها تماماً عن طريق تسليم السعودية لهما.
***************
- إذن الاصرار السعودي على الجزيرتين منتن وحقير ومنحط وليس إصراراً على تراب وطني وهو أمر لا تعرفه دولة باسم أسرت.
منذ
أسابيع كان أحد المقربين للملك (عشقي) في زيارة لاسرائيل بصورة علنية وعقد
اجتماعات في وزارة الخارجية الاسرائيلية، وفي خطوة تكشف العلاقات الثنائية
في العلن. وكان موضوع الجزيرتين مطروحاً في هذه اللقاءات.
- إذن ما هي الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين؟
كما
أوضحنا فإن الجزيرتين مفتاح خليج العقبة. وفي أقصى جنوب البحر الأحمر يوجد
مضيق باب المندب أي مفتاح البحر الأحمر ومعروف أن مصر قامت بمفاجأة
استراتيجية لاسرائيل في حرب 1973 عندما أغلقت باب المندب بالتعاون مع اليمن
فخنقت ميناء ايلات من المنبع . وكانت ضربة اقتصادية واستراتيجية. ولم يعد
الآن هناك امكانية لهذه المفاجأة، فلإسرائيل قاعدة بحرية في أرتيريا. وتوجد
قواعد لأمريكا وفرنسا في جيبوتي وغيرها. وكل هذه موانع جعلت منطقة باب
المندب خالية من أي مفاجأة. وكان لمصر مفتاح الجزيرتين تحت يدها وكان يمكن
أن تغلق به ميناء ايلات.
والآن فإننا نسلم لإسرائيل المفتاح الشمالي،
كما ضاع المفتاح الجنوبي (باب المندب). اذن فهؤلاء الحكام لا يفكرون بأي
امكانية للتصادم مع اسرائيل. وهي نفس استراتيجية عهد مبارك- عمر سليمان
عندما أعطوا الغاز الطبيعي مدعماً لاسرائيل (لاحظ مبارك وحسين سالم وسامح
فهمي أخذوا براءة في هذه القضية!!).
النظام مصر على منع أي حركة
تطالب بمصرية الجزيرتين واعتقل مؤخراً 12 في مظاهرتين أمام نقابة الصحفيين
وفي شارع طلعت حرب.. وقبل ذلك صدر حكم بسجن متظاهر من أجل الجزيرتين 10
سنوات!!
الآن يقولون أنهم وجدوا خرائط في مكتبة الكونجرس تثبت سعودية
الجزيرتين. والمساحة المصرية تؤكد مصرية الجزيرتين ولدى المحكمة عشرات
الوثائق عى ذلك.
ولا أريد الدخول في مناقشة فنية وفقاً للقانون
الدولي لأن هذه ليست القضية.. فمصر والجزيرة العربية دولتان عربيتان
مسلمتان وليس بين الخيرين حساب!!
المشكلة انه رغم تبعية مصر لأمريكا
وخضوعها لإسرائيل، فإن السعودية أميرة العمالة والتبعية والخيانة فهي دولة
أسرية صنيعة الانجليز والأمريكان واليهود. ولذلك فمن الأفضل بما لا يقاس أن
تبقى الجزيرتين في يد مصر لأن مصر أقرب للتحرر من الطغيان الأمريكي-
الاسرائيلي– من السعودية.
ومع ذلك سنناقش مصرية الجزيرتين بمنهج التاريخ والقانون الدولي في مرة قادمة ان شاء الله.
----------------------------------------------
ملاحظة:
الملك فيصل رحمه الله كان استثناءاً من عمالة السعودية ولذلك ليس صدفة انه
تم اغتياله عن طريق أحد أفراد أسرته بعد تصريحاته المتوالية عن تحرير
القدس والصلاة فيها وبعد قراراته بمنع البترول عن أمريكا.
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر