0
شهدت الأيام الأخيرة هجمة شرسة ، وحرباً ضروساً ، يخوضها الإنقلابيون الفشلة على نشطاء الإنترنت والفيس بوك ، تتضمن نطاقاً أمنياً وآخر إعلامياً .
كان أبرز ما في النطاق الأمني اعتقال - أو محاولة - مجموعة من النشطاء ، أو قريبي الصلة بهم وتجهيز قضايا معلبة بعنوان الإشراف على صفحات ضد الانقلاب وملحقات ذلك من التحريض وإثارة القلاقل والاضطراب والدعوة للعنف ... إلى آخر ذلك من تلفيقات الانقلابيين ، بالإضافة لذلك اعتقال الصحفيين ( حتى الأجانب منهم ) في شكل أثار سخرية كل المهتمين بحقوق الإنسان ( هذا طبعاً على المستوى العالمي ، فمنظمات حقوق الإنسان بمصر أصابها الآن العمى ، طبعاً بخلاف منظمتين أو ثلاثة من أمثال الشرفاء هيثم أبو خليل وغيره ) .
وجاء أبرز ما تضمنه النطاق الإعلامي مجموعة من الحلقات الفضائية وبرامج التوك شو الخاصة بالتحريض على هؤلاء النشطاء للميس وأخواتها وإخوانها ، وأيضاً نشاط من قبل أعوان الانقلاب ومؤيديه على النت بحملة إبلاغ بالسلب عن الصفحات وإبداء إشارات امتعاض لإغلاق الصفحات من قبل إدارة الفيسبوك ، بالإضافة لسيل محاولات اختراق الصفحات الذي لا يتوقف .
يتوازى مع ذلك حملة واسعة النطاق على أي إعلام مؤيد للشرعية إما بالسب والضغوط الصهيوأمريكية ( كقناة الجزيرة ) أو الغلق بعد ضغوط على الدول المالكة للنور سات لإغلاق أحرار 25  .
لهذه الهجمة مجموعة من الدلالات نخوض فيها بالتفصيل في الكلمات القادمة إن شاء الله ..


أولاً : أثر الفيس بوك وكونه إعلاماً مؤثراً ، وغلبة أنصار الشرعية فيه :
وهذا ما أكدته آخر الإحصائيات العالمية ، ثم المحلية ( كتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ) الذي يقول أن مشتركي الفيس بوك بمصر وصل عددهم إلى 16 مليون مشترك تقريباً ، وهو رقم يفوق أي مشاهدة لقناة فضائية على الإطلاق ، ويجعل من الفيس بوك وحده – بخلاف باقي عناصر الشبكات الاجتماعية كالتويتر مثلاً - هو الأعلى مشاهدة وإقبالاً وتفاعلاً على الإطلاق بين كل وسائل الإعلام الموجودة بمصر .
يضاف إلى ذلك كثرة تفاعل أنصار الشرعية معه وإيصال رسالة من خلاله ، نتيجة كم الكبت والتضييق الذي يرونه في الإعلام الفضائي أو المقروء .
ومالا يدركه الانقلابيون الفشلة أن نشطاء الفيس بوك ليسوا بالعشرات ولا بالمئات ولا حتى بالألوف ، وإنما هم بالملايين لأنهم يمثلون كل معارض للانقلاب ومؤيد للشرعية ويتفاعل مع الفيس ، حيث ينشر فكرته من خلال تدوينة أو كلمة أو خاطرة أو صورة معبرة أو فيديو أو كاريكاتير أو .....
وإن كانوا يقصدون بحربهم مديري الصفحات والمحررين بها فهم من الكثرة بمكان أيضاً بفضل الله ومنته .
أهم ما يدعم عمل نشطاء الفيس بوك ويساعدهم على تحقيق إنجاز ملموس هو عدالة قضيتهم – هذا من جهة – حيث أن عدالة القضية ومنطقيتها يوفران الجهد الإقناعي ، كما يسهلان ميزة الابتكار والتجديد والتنوع في طرح الأفكار .
ومن جهة أخرى طبيعة الفيس بوك من حيث هو مجال تفاعل خصب وطرح حر للأراء يعجز الانقلابيين كبته ، حيث أن أشد ما يكرهونه هو الحرية ، والقدرة على التعبير عن الفكرة ، وهذا هو ما يخنقهم ويجعلهم يحاولون تكميم الأفواه وإسكات الأصوات على الفيس بوك .


ثانياً : أهمية الشريحة العمرية التي تتعامل بالفيس بوك :
يعزز من أهمية الموضوع الشريحة العمرية التي تتناوله والتي قالت الإحصائيات أن الأكثرية هي لمنطقة من 18 سنة إلى 25 سنة تليها من 25 سنة إلى 35 سنة ، وهذا ما يعني جيل الشباب الذين هم وقود الثورة وأعمدتها وأركانها وجدرانها ، وهذا هو أحد أهم ما يفجع الانقلابيين .
شريحة الشباب التي لا يستطيع الانقلابيون الفشلة الوصول إليها هي أكبر الشرائح تأثيراً وتأثراً بالفيس بوك ، وهي الشريحة التي تستعصي الآن على الانقلابيين .
وبعد انحسار دور الشريحة العمرية الأكبر إلى حد ما بعد فض رابعة والنهضة ، ظهرت شريحة الشباب التي تستحيل على الترويض والتي تعجز الانقلابيين بما يطرحونه من آراء وأفكار وابتكارات لمواجهة الانقلاب بكل الإبداعات الموجودة في المجال الاقتصادي بطرح أفكار المقاطعة والحملات والإحصائيات والتصريحات والبيانات .. الخ ، وفي مجال التظاهرات وإبداعات المقاومة السلمية ، وفي مجال فضح انتهاكات الانقلابيين في حق المعتقلين وفي حق الشهداء وفي مجال حقوق الإنسان ، وفي مجال فضح ضباط الشرطة والقضاء ونشر أسماءهم وصورهم ، وفي مجال ابتكارات التصدي للانقلابيين وإنهاكهم وحرق الأدوات التي يقتلوننا بها ... الخ
كل هذا يفجع الانقلابيين ويملأ قلوبهم حسرة وغيظاً نتيجة هذا الإعلام الحر الواعي الخارج عن نطاق سيطرة الانقلابيين بالكلية ، والذي يتيح لأي إنسان المشاركة والإبداع وتبادل الأراء .


ثالثاً : الانقلاب الباطل لا يحب أن يسمع إلا صوت نفسه :
من أخطر الدلالات على هذه الهجمة الشرسة هو أن الانقلابيين لا يحبون أن يسمعوا سوى صوت أنفسهم ، وهذا هو حال الفراعنة في كل وقت وحين ، ويكفيني مؤنة التوضيح والتعليق والإسهاب في هذه النقطة أن نستعرض بالذاكرة حال كل الطغاة فيما مضى وحال الأنبياء والمرسلين معهم .. اقرأ معي أخي الكريم بعين قلبك وتدبر ما تحكي عنه هذه الآيات البينات :
( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ( 25 ) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( 26 ) ) ( فصلت ) .
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) ( إبراهيم : 13 ) .
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) ( العنكبوت : 12 ) .
(فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) ( النمل : 56 ) .
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) ( غافر : 26 )
(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) ( غافر : 29 ) .
 وعلى هذا المنوال اقرأ قصص كل الأنبياء والمرسلين وقصص أصحاب الأخدود وقصة موسى عليه السلام مع فرعون وكيف حاول فرعون خنق الحق وحصاره ، وسيرة نبينا الكريم وكيف كان كفار قريش يترصدونه ويتربصون له ويوصون الوفود ألا تسمع له فيما هو معلوم متواتر ينبؤك عن حال الفراعنة والطغاة  وكيف لا يطيقون سماع سوى صوت أنفسهم .
والانقلابيون عينة كربونية من الطغاة السابقين تنطبق عليهم نفس صفاتهم ، فهم أيضاً لا يطيقون سماع رأي يخالفهم فيغيبون أصحاب هذا الرأي وراء السجون أو يقتلونهم أو يطردونهم ويكممون أفواههم ، هم لا يريدون إلا من يسبح بحمدهم .


رابعاً : الانقلاب هش ومفلس وضعيف :
وما سبق يؤكد أن الباطل لجلج والحق أبلج ، الباطل الانقلابي الخسيس لأنه لا يملك أياً من قواعد الحق والمنطق ، ولا يستطيع مقارعة الحجة بالحجة ، ولا يستطيع أن يقنع الناس بما هو عليه من الخيانة والغدر والكذب والتدليس ، يلجأ لحيلة إبعاد أصحاب الحق والمنطق وتغييبهم وتكميم أفواههم ومنابرهم ، يمنعهم من التواجد بأي مكان يمكن فيه أن يبينوا منطقهم .
فلا يسمح لهم بالترقي في التربية والتعليم ويسجن المعلمين ، ويمنع أنصار الشرعية من ارتقاء المنابر ، ويضيق نطاق هذه المنابر ويوحد الخطبة حتى لا يستطيع أنصار الحق والشرعية أن يعبروا عن فكرتهم ، ويغلق القنوات الفضائية إلا ممن يسبح بحمده أو يهادنه ويوادعه ، ويعتقل الصحافيين ويرهب نشطاء الفيس بوك ويشن عليهم الحرب الشعواء ...
وفي المقابل يستأجر آخرين موزورين عليهم خزي الدنيا وفضيحة الآخرة ، كي يتلاعبوا بعقول الجماهير على فضائياتهم ومنابرهم ، ويستخفوا الناس ، ويضيعوا قواعد الحكم على الأشياء ، ويبعدوا المعقول ، ويسحروا الناس ، وإن من البيان لسحراً .
كل هذا دلالة واضحة ومؤكدة على ضعف الباطل وانهيار حجته ومنطقه ، وهزيمته أمام نفسه قبل أن تكون أمام الناس ، وهو لو يعرف أنه يستند لمنطق أو حجة لما خاف من مواجهة الجماهير ولما خاف من الصوت الآخر ، لكن إفلاسه يقوده إلى هذا التكميم الواضح والصريح للأفواه .


خامساً : لا يمكن للانقلاب أن يكسر نشطاء الفيس بوك للأسباب التالية :
الواقع الذي لا شك فيه أن الانقلابيين يعجزون عن تكميم أفواه مؤيدي الشرعية ، ولا يستطيعون القضاء على نشطاء الفيس بوك ، لأسباب : منها أنهم من الكثرة كما أسلفت ، وهو ما يعجز الانقلابيين مطاردتهم والقضاء عليهم .
أيضاً فإن الوسائل الفنية التي يبتكرها الفائقون المميزون من أنصار الشرعية في إخفاء معالم إدارات الصفحات المؤيدة للشرعية والتي توجه يومياً مئات الضربات الموجعة للانقلابيين ، فلا يعرفونهم ، ولا يمكنهم  أن يتتبعوهم ، حتى لو قام الأجنبي الغادر صاحب المنابر ومنشؤها بانتهاك قواعد الخصوصية وحقوق الإنسان وأوشى ببعض المعلومات عنهم .
الأمر من الناحية العددية ومن الناحية التقنية أكبر من أن يدركه الانقلابيون الفشلة أو يستطيعون التغلب عليه .
وقبل ذلك كله إحاطة الله سبحانه لأنصار الشرعية ، وكيف لا يحوطهم وقد تكفل بحفظ ورعاية جنده المخلصين ، وكتيبة المجاهدين بالإعلام الذين يواجهون سحرة فرعون هم من أكثر من نثق بحفظ الله سبحانه لهم ورعايته بهم وعنايته لهم – سبحانه - .
وانظر إلى الله سبحانه الذي حمى قائدهم وقدوتهم صلى الله عليه وسلم من قبل أثناء بيعة العقبة لما صرخ الشيطان ليدل كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الأنصار ، ورعاه وحفظه ليلة الهجرة ليمر بين كفار مكة وقد ألقي عليهم النعاس ، ورعاه وحفظه من سراقة لما طارده ، ورعاه وحفظه والكفار يحاصرون الغار ، وحماه ورعاه وحفظه أثناء هجوم الكفار عليه في أحد ، وحماه ورعاه وحفظه هو والذين آمنوا معه أثناء حصار الدنيا كلها لهم بالأحزاب ....
إن الله سبحانه الذي حمى قائدهم وقدوتهم هو الكفيل بحفظهم من كل ذي شر ، ووقايتهم من كل مكروه وسحر .


سادساً : الرسالة التي يريد الانقلاب أن يرسلها لنشطاء الفيس بوك :
والذي أريده في النهاية من المجاهدين على الفيس بوك أن يحذروا من الانخداع بترهيب الانقلابيين لهم ، وأحسب أن الانقلابيين يعرفون صعوبة تتبع النشطاء ، ويعلمون أنه من المستحيل القضاء عليهم ، إلا أنهم يسعون لتحجيم نطاق نصرهم ونجاحهم ، ويوصلون رسالة ترهيب واضحة تحجم من خطوهم .
والذي على النشطاء المجاهدين الصادقين فعله هو الاستمرار ، وعدم التوقف ، أو الخوف ، أو الإحباط ، فليس أي من ذلك خلق للمسلم المجاهد الذي يناصر الحق ، وليعلموا أن كل هجمة أمنية شرسة تعكس هلع الانقلابيين من ضربات سابقة  موجعة من أنصار الحق ضدهم ، إننا نحن أتباع الحق وحملة لوائه ، فإن توقفنا فمن لنصرة الشريعة .
فمن للأمة الغرقى إذا كنا الغريقينا – ومن للغاية الكبرى إذا ضمرت أمانينا – ومن للحق يجلوه إذا كلت أيادينا ...


سابعاً : القاعدة الذهبية : كل ضربة لا تقتلك تقويك :
وأزعم وكلي يقين بصحة ما أزعمه ، أن هذه الضربات هي بمثابة إعداد وصقل وتدريب للنشطاء للعمل الجاد الدؤوب ، وللإبداع والابتكار في توجيه الضربات للانقلابيين ، مع القدرة الهائلة على تجنب ضرباتهم .
والميزة هنا أن هذا الميدان هو في الأصل ميدان المبدعين المفكرين خارج الصندوق المبتكرين ، فبغزارة الضربات تأتي غزارة الابتكارات والإبداعات .
ومثل هذا بالضبط كل ما يحدث من الانقلاب ، إنه تدريب على تحمل أعباء قيادة الأمة لخلافة على منهاج النبوة الراشدة ، الأمة التي تعودت الراحة والدعة يخرجها الله لميدان آخر ويربيها على عينه كما ربى يوسف وموسى من قبل بعد تربية القصور ليسجن يوسف ويشرد موسى فيقودان الأمة بعد ذلك لما فيه صلاحها ..
إن الانقلاب بكل خزيه وعاره وجنونه ما هو إلا ميدان تدريب خصب يهيئ الأمة به لما وراء ذلك من قيادة البشرية والسير بها لما يحقق مقتضى العبودية لله في الأرض ، ولتعلمن نبأه بعد حين .

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top