0

 منذ الانقلاب بالرئيس الشرعى محمد مرسي في 3 يوليو -قبل عام- لم تُكشف الكثير من الحقائق عن الأيّام الأخيرة في حكم “مرسي” والصراع بينه وبين الجيش، والمفاوضات التي جرت قبل وبعد الإطاحة به. وكلّ ما نُشر وأُذيع كان من جانب طرف واحد الذي استولى على السلطة بالقوة، وبقي الطرف الآخر بعيدًا إما مطاردًا أو مسجونًا أو مختفيًا، وهو لديه صورة أخرى لما حدث ويملك وثائق ومستندات؛ لأنه كان يحكم. وعدا بعض الحوارات التي أُجريت مع قيادات إخوانية هربت إلى الخارج، كشفت فيها عن “بعض” التفاصيل ولم تبح بكل ما لديها من أسرار، فإن القصة الكاملة لم تُرو بعد، وستكون على لسان مرسي مثلما حدثَ مع أول رئيس مصري اللواء محمد نجيب في مذكراته “كنت رئيسًا لمصر”، الذي عرف المصريون بعدَ ربع قرن لأوّل مرة أن “نجيب” كان رئيسًا لمصر، بعد أن رسّخ الإعلام الناصري في الأذهان أن عبد الناصر هو أول رئيس لهم بعد انتهاء الاحتلال الإنكليزي، ومحا اسم نجيب .

لذلك عندما تحدّث وزير الاستثمار في عهد مرسي الدكتور يحيى حامد وكشف كواليس وأسرار الانقلاب وبعض ما حدث في الساعات الأخيرة في عهد مرسي أحدثَ ضجّة واسعة، خاصّة عند حديثه عن الصناديق السرية، والمشروعات الاقتصادية العملاقة التي يستولي عليها الجيش ويديرها والـ67 مليار التي لا تدخل ميزانية الدولة، ورواتب ومنافع أعضاء المجلس العسكري. كذلك الحوار الذي أُجري مع وزير الإعلام في عهد مرسي صلاح عبد المقصود، الذي تناول فيه ما جرى في آخر اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة مرسي قبل تظاهرات 30 يونيو، واجتماع مجلس الوزراء المصغر الذي حضره السيسي ووزير الداخلية، والذي كشف فيه الأخير أنّ الكنيسة ستحشد جميع المسيحيين للخروج في المظاهرات، ولكن ما زال مستشارو مرسي مغيبين في السجون، والوحيدة التي تمّ الإفراج عنها المستشارة السياسية وقد خرجت بشرط “لا تتحدث بحرف واحد”؛ فالتزمت الصمت .

ومن ثمّ، تأتي أهمية أول حديث للدكتور أحمد فهمي، آخر رئيس لمجلس الشورى المصري، الغرفة الثانية في البرلمان التي تم إلغاؤها في الدستور المعدل؛ فقد كشف “فهمي” بعض التفاصيل عن الأيّام الأخيرة قبل 30 يوليو، وقال إن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي -وزير الدفاع حينها- رفضَ في آخر فترة حكم الرئيس محمد مرسي حلًّا كان قد عرض من قبل أحمد فهمى نفسه يقضي بأن يتم تكليفه -أي السيسي- برئاسة الحكومة، لحين الدعوة إلى استفتاء على الرئاسة أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وقال كانت هناك مبادرات لحلّ الأزمة التي مرّت بها البلاد طرحتها جهات أجنبية، ورفضها الرئيس مرسي قبل عزله من قبل الجيش. وأشار “فهمي” إلى أنّ أطرافًا داخلية وخارجية مارست ضغوطًا على مرسي للقبول بتغيير الحكومة، علي أن يترأسها محمد البرادعي القيادي بجبهة الإنقاذ، مع تفويض صلاحيات كاملة له كرئيس للحكومة، وهو ما رفضه مرسي وهو بدوره ما جعل كلا الطرفين يتبنيان إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لا يكون الرئيس مرسي طرفًا فيها.

ضربة للدولة العميقة

وقال د.أحمد فهمي منذ أن تمّ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية، ورغم قرب النتائج مع المرشح المنافس أحمد شفيق، إلّا أنّه كان يمثل ضربة للدولة العميقة، الذي تسبب فوزه بالشعور بالقلق والخوف من النظام الجديد، سواء بمحاسبتهم علي ما اقترفوه ضد الشعب أو إقصائهم عن الحياة السياسية. وكان من المتوقع أن يواجه مرسي معارضة ومشكلات كبيرة، إلّا أننا لم نكن نتخيل أن تكون الحرب بهذا الحجم وهذه الشدة، أو يكون لها هذا التأثير، وبدأت منذ اللحظات الأولى لإعلانه رئيسًا خلال حلف اليمين الدستورية بالمحكمة الدستورية العليا -أعلى هيئة قضائية ويؤدي الرئيس أمامها اليمين الدستورية في حال عدم وجود برلمان بحسب الدستور المصري-. والمصالح الكثيرة التي كانت ترتبط برجال الأعمال ورموز النظام القديم والدولة العميقة، كان لها تأثير كبير في السعي نحو إسقاط النظام الجديد، خاصّة أنّ الرئيس مرسي سعى إلى أن يحقق عدالة حقيقية وديمقراطية، ممّا جعلهم يتربصون به منذ اليوم الأول.

جهات داخلية وخارجية

وأضاف فهمي أنّ هذه المصالح دعمتها جهات داخلية ممثّلة في مؤسسات الدولة، وجهات خارجية أزعجها أن يصل الإخوان المسلمون للحكم في دولة بحجم مصر، خاصّة أن مرسي كان يريد التدرج في الإصلاح، ولم يحاول أن يقصي أحدًا من المشهد السياسي، فلم يعطِ لهم فرصة للنيل منه سياسيًّا. وما حدث في 3 يوليو انقلابًا على الشرعية الشعبية والدستورية، وهناك فرقٌ بين ماحدث في 30 يونيو/ حزيران، حيث خرج فيها كثيرون حسنو النية، متأثرين بما تمّ تسويقه في وسائل الإعلام ومفاصل الدولة العميقة، ووضع العراقيل أمام الرئيس ونظامه، وخرجوا من أجل الصالح العام للبلاد، وبين الانقلاب العسكري في 3 يوليو.

فالذين خرجوا في 30 يونيو -والكلام للدكتور أحمد فهمي- كانت الفئة الأغلب منهم خروجها مصطنعًا، تحت رعاية داخلية وخارجية، وظهرَ ذلك في مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الخليجية، الذين اتفقوا جميعًا من أجل مصالحهم بإزاحة هذا النظام، في انتظار الفرصة المواتية باصطناع هذا الخروج بهذا الشكل. ويمكن توضيح هذا بالقول إن بعض مؤسسات الدولة صنعت هذا الخروج، وانتظرت أن يتمّ بهذا الشكل من أجل الانقلاب علي الرئيس كما حدث في 3 يوليو.

وعن الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في أغسطس 2012 الذي حصن فيه قراراته هو الذي قاده إلى هذا المصير، قال الدكتور فهمي: “الإعلان الدستوري كان يتضمّن مطالب ثورية، كما إنه وبعد أسبوع واحد، عقب اعتراضات واجهت هذا الإعلان، قام بتعديله، فلا يتخذونه شمّاعة للضغط على الرئيس بها، أما الأزمات التي شهدتها البلاد، فكانت مصطنعة بفعل الدولة العميقة، في ظل قصف إعلامي شديد، مبرمج ومخطط”.

جبهة الإنقاذ أفسدت كل الحلول

وحول توقّعه حدوث انقلاب عسكري، قال رئيس مجلس الشورى السابق: “شخصيًّا، لم يكن يدور في خلدي أبدًا أن يتم انقلاب من قبل المجلس العسكري، خاصّة أنهم كانوا محلّ تقدير من الرئيس مرسي، ومنّا كمسئولين في ذلك الوقت، ولم نكن أبدًا نقف في طريق ما يسعون إليه وما يحقق أهدافهم من تدريب وتشريعات وغيرها”. وأضاف قائلًا: ولكن كنت أعتقد أن هناك غضبًا في الشارع المصري علي بعض سياسيات الرئيس مرسي، ولكنّي كنت أرى أن يتم إيجاد حلول لهذا الغضب بأمور سياسية، ولكن إحقاقًا للحق؛ فإنّ الرئيس كلما عرض حلولًا للأزمة، كان يواجه بالرفض من قيادات جبهة الإنقاذ التي كانت تتصدر مشهد المعارضة حينها، حتي يتم تصدير المشهد الذي ظهر في النهاية.

تغيير الحكومة

وكشف د.أحمد فهمي عن عرض الرئيس مرسي الكثير من الأمور التي تهدّئ من روع الشارع، كتغيير حكومة هشام قنديل -آخر رئيس وزراء في عهد مرسي ووُجِه بانتقادات شديدة لأداء حكومته-، والموافقة على إجراء استفتاء على بقائه، وغيرها من الأمور؛ لكنهم كانوا دائمًا ما يرفضون أي اقتراحات. وقال: “الرئيس مرسي كان يرى الانتهاء من الاستحقاق البرلماني وعدم إحداث أي فراغ تشريعي، ومن ثم ترتيب كل الأمور المستقبلية عن طريق هذا البرلمان (مجلس النواب – الغرفة الأولى للبرلمان)، باعتباره الذي يمثل الشعب تمثيلًا حقيقيًّا”. وقال: الرئيس لم يعترض على تغيير الحكومة، وإنما كان يرى أن فترة الانتخابات قريبة، ومع بداية البرلمان تتشكل الحكومة الجديدة طبقًا لدستور 2012، فالرئيس مرسي كان يرفض أن تكون قراراته وتغيراته مفروضة من أي جهة، وإنما تتم وفقًا للأسس الديمقراطية.

آشتون وباترسون.. والبرادعي

وعن الضغوط الخارجية التي مُورست ضد مرسي للتغيير، قال “فهمي”: الضغوط على مرسي خارجيًّا كانت من الاتحاد الأوروبي، ممثلًا في مسؤولة العلاقات الخارجية كاثرين آشتون، بالإضافة إلى السفيرة الأمريكية بالقاهرة -حينها- آن باترسون، وكانت ضغوط للتغيير ليست في صالح الشعب المصري؛ لأنها كانت بعيدة عن المسار الديمقراطي. والضغوط كانت على مرحلتين: الأولى، بدأت بطلب تغيير الحكومة، على أن يترأسها -بحسب ما علمت- محمد البرادعي القيادي بجبهة الإنقاذ المعارضة، مع تفويض صلاحيات كاملة له كرئيس للحكومة، وهو ما رفضه مرسي؛ لأن ذلك سيكون بمثابة تخليه عن الحكم بغير إرادة الشعب؛ أما المرحلة الثانية من الضغوط، فكانت ما كان يصرّ عليه السيسي في آخر يومين قبل الانقلاب علي الرئيس، وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة، لا يكون الرئيس مرسي طرفًا فيها.

مهلة الأسبوع التي حددها وزير الدفاع

وحول مهلة الأسبوع التي حددها وزير الدفاع حينها للقوى السياسية لإيجاد حلّ للأزمة وحالة الاحتقان في الشارع، قال أحمد فهمي: “قرأتها بشيء من القلق، ومع ذلك كنت حسن الظن في نية القوات المسلحة، ولم أكن أتخيل أن تكون هذه المهلة للرئيس نفسه”، وقال “فهمي” إنه لم يحضر اللقاء الذي عقد يوم 26 يونيو ، بين السيسي والقيادي الإخواني سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق ورئيس حزب الحرية والعدالة، وقال: “علمت به وأنه تضمن مطالبة الرئيس بخروج بعض البيانات التي تهدئ الشارع وتلبي مطالبه، وهو ما قام به الرئيس في خطابه الشهير في ذات اليوم مساء، وقال حينها إنه علي استعداد لانتخابات رئاسية مبكرة عقب انتخاب مجلس النواب، وهي الفترة التي كانت ستأخذ من 4-6 أشهر”.

آخر رسالة من مرسى للسيسى والعكس

وعن قصة آخر رسالة من مرسي للسيسي والعكس قال فهمي: في الساعة العاشرة صباحًا يوم 3 يوليو ، اتصل بي اللواء ممدوح شاهين وكان عضوًا بالمجلس العسكري، تليفونيًّا وسألني حول تصوري لما سيقوله الفريق السيسي للناس حينما يتحدث إليهم، وهل سيعتذر عن المهلة التي سبق وأن أعلنها للقوى السياسية، ويترك لها أن تتصرف مع بعضها البعض؛ فأخبرته بأنني لا أعلم ما سيقول لأني لم أقابله، فتم تحديد موعد للقائه بعدها بساعة، وذهبت للقاء السيسي، فسألني: ماذا تريد أن تبلغنيه؟ فقلت له: أنت الذي اتصلت بي، فماذا تريد أن تقوله لي، فقال: نحن نريد إجراء استفتاء على الرئاسة خلال أسبوعين أو ثلاثة.

فقلت له: إنها مدة قصيرة وقد يترتب عليها فراغ، فأنا أرى أن يتم تغيير الوزارة، ويمكن أن تكون أنت رئيسها بجانب وزارة الدفاع، وبعدها يتم إجراء انتخابات برلمانية في وجودك، حيث إن الأغلبية تثق فيك ويترتب على انتخابات مجلس النواب تشكيل حكومة من حزب أو أحزاب الأغلبية، وبعدها تتم الدعوة إلى استفتاء على الرئاسة أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وبذلك نتفادى حالة الفراغ.

فرد السيسي عليّ بأن هذا حل طويل، ونحن نريد إجراء استفتاء في أسبوعين أو ثلاثة، فقلت له: إن هذا الحل غير مرضٍ، وإن صور المظاهرات التي نشرت في الصحف نشرت صور مظاهرات المعارضة، ولم تنشر صور مظاهرات التأييد للشرعية الدستورية. قلت له: لقد أخذت قرارك يا سيادة الفريق ولا تحتاج إلي مبادرات أو رؤى للحل، وذهبت بعدها للرئيس مرسي وعرضت عليه ما دار بيني وبين الفريق السيسي، فوافق على كل ما جاء في عرضي عليه، حرصًا على استقرار البلد بوجود البرلمان والحكومة أولًا.

ثم اتصلت باللواء ممدوح شاهين وأخبرته بما دار بيني وبين الرئيس، وموافقته على العرض الذي ينشئ البرلمان والحكومة أولًا، ثم يتم الاستفتاء على الرئاسة أو الانتخابات الرئاسية المبكرة، وطلبت منه توصيل هذا الكلام للفريق السيسي، فوعد بذلك.

ويضيف الدكتور أحمد فهمي: جاء الرد من السيسي بالانقلاب العسكري الذي أطاح بالشرعية، فعطل الدستور واختطف الرئيس وأخفاه، ثم أصدر قرارًا باطلًا بحلّ مجلس الشورى. وعن كيف وجد الرئيس مرسي في ذلك اليوم، قال: وجدته يعلم أن انقلابًا عسكريًّا يحدث ضده، خاصة أنه كان شبه محبوس ومعتقل في دار الحرس الجمهوري.

عام من الانقلاب على مرسي

وقال رئيس مجلس الشورى السابق: “إذا عاد بنا الزمن للوراء، أعتقد أن الرئيس كان سيصر علي موقفه وسيأخذ نفس القرارات، فليس من غير المعقول أن تتم انتخابات رئاسية خلال أسبوعين أو ثلاثة، وإنما كان يريد أن يحقق ديمقراطية حقيقية”. وعن التواصل مع السلطات الجديدة للبلاد في إطار التصالح وإيجاد حلول للتسوية عقب الانقلاب على مرسي، قال فهمي: “اتصل بي اثنان من قيادات المجلس العسكري -رفض ذكر اسميهما- وكذلك شيخ الأزهر أحمد الطيب، عقب الإطاحة بمرسي وقبل فضّ اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس الماضي، في محاولة للوصول إلى تهدئة وتسوية، وكانت كل مبادراتهم تدور في إطلاق سراح المحبوسين، في مقابل اعتراف الجماعة بالأمر الواقع”.

لا يمكن أن تنهض البلاد بهذا الحال

ونفى الدكتور أحمد فهمي أن يكون عرض عليه أيّ طرف الوساطة، وقال: “هناك أشخاص آخرون مسؤولون عن هذا الأمر في التحالف الوطنى لدعم الشرعية ، ومنهم مَن ينتمي لحزب الحرية والعدالة الذي أنتمي إليه، ولكني على استعداد أن أوصل أيّ رسائل إذا طلب مني ذلك”. وأضاف: “كلما مر الوقت تعقدت الأزمة أكثر، فلا يمكن أن تنهض البلاد في الحال التي عليها الآن، ولا بد أن يكون هناك حل، قد تكون تفاصيل هذا الحل ليست عندي، وإنما يجب أن نعي تجارب الآخرين في الدول الأخرى”.

 

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top