يوم بعد آخر، تواصل السلطة الانقلابية توجيه ضرباتها المتتالية لمنظمات
ومؤسسات المجتمع المدني، التي طالما شكلت صداعًا مزمنًا، بالأخص للأجهزة
الأمنية، من خلال تسليط الضوء على انتهاكاتها وتجاوزاتها بحق المصريين،
فبعد اقتحام مقر "المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، وإلقاء
القبض على إحدى الباحثات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومصادرة جريدة
"وصلة"، التابعة للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تستعد حكومة
المهندس إبراهيم محلب للتصديق على مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد.
وأصاب مشروع القانون العاملين بالمجتمع المدني بالصدمة لما يحتويه من
انتهاك صارخ للدستور والتزامات مصر الدولية، مؤكدين أنه فى حالة إقراره
ستكتب شهادة وفاة المجتمع المدني لما به من مواد تخضع منظماته لسيطرة
الحكومة والمؤسسات الأمنية، فضلًا عن إقراره لعقوبات الحبس التي تبدأ في
حال المخالفات البسيطة بالسجن لمدة عام لتصل إلى السجن لـ 15 عامًا. وأكد
حافظ أبوسعدة، رئيس "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان"، أن مشروع القانون
الحكومي يستخدم نفس الأساليب التي ينص عليها قانون 84 و32 في تقييد عمل
المنظمات الأهلية والسيطرة عليها، وتساءل: إذا كان توجه الدولة عدم تكبيل
المجتمع المدني وتقييد عمل منظماته فلماذا تسعى لتغيير القانون القائم
حاليًا والذي يضع الكثير من العراقيل أمام تلك المنظمات؟ وأوضح، أن الهدف
الأساسي من مطالبتهم بتغيير ذلك القانون هو تحرير المجتمع المدني من تبعيته
للدولة ومنحه مزيدًا من الحريات والصلاحيات للقيام بدوره على أكمل وجه،
مشيرًا إلى أن غالبية منظمات ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة والتابعة
للدولة اتفقت على مشروع قانون يلبى تلك الأهداف ويحققها، خلال عمل اللجنة
التي شكلها أحمد البرعي ـ أثناء توليه منصب وزير التضامن الاجتماعي ـ
وأصدرت ذلك المشروع على أمل أن توافق عليه الحكومة. وأضاف أبوسعدة، أن
الحكومة قدمت وعودًا بتغيير القانون لصالح المنظمات الأهلية وليس لتقييدها،
معتبرًا أن ما يحدث حاليًا هو تراجع من جانبها في وعودها وهو الأمر غير
المفهوم أسبابه، مشددًا على أن المجتمع المدني خلال الفترة الماضية أصبح
يعانى ضعفًا شديدًا ويحتاج بشدة إلى الدعم والمساندة ومنحه الثقة الكافية
للقيام بدوره. من جانبه، اتهم جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق
الإنسان، الحكومة بالرغبة فى السيطرة التامة على المنظمات الأهلية
وتحويلها من منظمات غير حكومية إلى كيانات شبه حكومية خاضعة للأجهزة
الأمنية والإدارية وتصبح الحكومة هي المدير الفعلي لها، مشيرًا إلى أنه
بموجب ذلك القانون الذي تسعى لإصداره فإنه يتم معاقبة من يخالف أحد بنوده
بالحبس لمدد تصل إلى 15عامًا وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه. وأضاف عيد، أن
القانون الجديد يسعى لوضع المنظمات الأهلية تحت المراقبة اللصيقة والتحكم
فى نشاطها، وذلك بالمخالفة مع المادة 75 من دستور 2014 والتى تقضى بأن تعمل
الجمعيات الأهلية بحرية، مشددًا على أن ذلك المشروع فى حالة تمريره فإنه
سيضع مصر بقائمة الدول التى تعانى من أسوأ تشريعات للمجتمع المدنى فى
العالم وينفى جميع مزاعم التحول الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان التى
تدعيها الحكومة المصرية. وأكد أن المشرع ينص على ضرورة وجود "لجنة تنسيقية"
ذات صلاحيات واسعة فى التحكم بنشاط الجمعيات الأهلية وتمويلها وفى عمل
المنظمات الدولية فى مصر وهو ما لاقى رفضًا تامًا من المنظمات المصرية
والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، على أن تتشكل اللجنة من 8
جهات حكومية من بينهم وزارة الداخلية وهيئة الأمن القومي. وحذر من أن وجود
تلك اللجنة يضع الجمعيات الحقوقية تحت رحمة الأجهزة الأمنية بدلًا من أن
تكون الجمعيات من يراقب أداء تلك الأجهزة، وكذلك جعل القانون اكتساب
الجمعية للشخصية الاعتبارية بعد مرور 60يومًا من تاريخ الإخطار بالتعارض مع
المادة 75 من دستور 2014 مما يعطى للجهة الإدارية الحق فى الاعتراض على
إنشاء الجمعية خلال تلك الفترة. وأشار عيد إلى أن القانون نص على بعض
الأنشطة المحظورة الفضفاضة التي تبيح لجهة الإدارة الاعتراض على إنشاء أي
جمعية، حيث ذكر القانون أنه يحظر ممارسة نشاط يهدد الوحدة الوطنية أو يخالف
النظام العام أو الآداب. وأوضح أن تلك المصطلحات موجودة بالقانون الحالي
وكانت سببًا فى رفض الإدارة تأسيس بعض الجمعيات والتي أسست بعد حكم قضائي،
فضلًا عن حظره لقيامها بأي نشاط سياسي دون تحديد المقصود به وهل هو دعم
للأحزاب أم لمرشحين فى الانتخابات أم أن ذلك القيد يمتد ليشمل مجرد إبداء
المنظمات رأيها فى قضايا الشأن العام، وكذلك حظر المشروع قيام الجمعيات
بعمل النقابات، وهو ما يعيق الجمعيات، لاسيما الحقوقية من الدفاع عن حقوق
العمال فى تحسين بيئة العمل. وبحسب رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق
الإنسان، فإن القانون يحظر على الجمعيات القيام بإجراء بحوث ميدانية أو
استطلاعات رأى دون أخذ موافقة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، متعجبًا من
ذلك، موضحًا أن جزءًا من قيام الجمعية بنشاطها بشكل احترافي، هى أن تقوم
بتقييم أثر المشروع أو عملها وتأثيره على المجتمع، ولا يتثنى للجمعية
القيام بذلك إلا بشكل علمى عن طريق إجراء استطلاعات الرأى بهدف تحسين
خدماتها للجمهور، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فرتب مشروع القانون عقوبة
الحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100.000 أو إحدى هاتين
العقوبتين لمخالفة هذا البند. وأضاف عيد، أن القانون أهدر حق المنظمات فى
اختيار الشكل القانونى المناسب لطبيعة نشاطها، حيث حظر إنشاء أو منح تصريح
لأى كيان كالشركات التى ترى الجهة الإدارية أنها تقوم بعمل الجمعيات دون
الخضوع لأحكام ذلك القانون، كما حظر مشروع القانون بشكل قاطع الحصول على
تمويل أجنبى من شخص مصرى أو أجنبى أو من جهة أجنبية أو من يمثلها فى الداخل
أو أن ترسل أموالًا أيًا كانت طبيعتها إلا بعد الحصول على تصريح من اللجنة
التنسيقية، أو مرور 60 يومًا دون اعتراض تلك اللجنة، ولم توضح المادة أى
أساس قانونى يمكن للجنة أن تعترض عليه، وزاد المشروع فى تعنته ضد حق
الجمعية فى جمع تبرعات من الداخل بأن جعله مرهونًا بتصريح وزارة التضامن
الاجتماعي. وأشار إلى عراقيل القانون أمام المنظمات الأجنبية غير الحكومية
والتى تجعل وجودها بمصر أمرًا شبه مستحيل.
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر