0
 لا يجب الاستهانة أو تجاهل المواقف العدائية لبعض أبواق الإعلام المصرى وكتبته، والذين لايتحركون إلا بناء على الأوامر والتعليمات - وبعضهم صناعة أمنية خالصة - مما يحدث فى عزة لذلك يجب التعامل بجدية مع ما تردده هذه الأبواق، والتصدى لها، وكشف مراميها، وعدم الوقوع فى خطأ اعتبار هذه الأصوات هى أصوات فردية لا تعبر عن الموقف الرسمى لسلطات الانقلاب،أوالتقليل من شأن بعض من يقودون هذه الحملة، والتعامل معهم على أنهم من المهرجين الذين يثيرون الضحك والسخرية وهو الخطأ الذى تم الوقوع فيه من قبل إن مايقوم به هؤلاء أشبه بالتمهيد النيرانى الذى يسبق العمليات البرية فهؤلاء يسعون إلى تزييف الوعي،وخلط الأوراق،وقلب الموازيين،وكسر البديهيات والثوابت التى نشأ عليها المصريون من تبنى القضية الفلسطينية،ومساندتها باعتبارها هى القضية المركزية للعرب والمسلمين فهذه المرة الأولى الذى يصل فيها الهجوم على الفلسطينيين والقضية الفلسطينية لهذا المدى لدرجة فاقت ماحدث أيام الرئيس السادات سواء من حيث الأسلوب أو من حيث النتائج لقد شهد عهد السادات هجوما شديدا على الفلسطينيين بعد كامب ديفيد وتوقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، واتهامهم ببيع أراضيهم لليهود وبأنهم يجاهدون من البارات والفنادق إلى غير ذلك من الاتهامات، وارتفعت بعض الأصوات التى تتحدث عن الاهتمام بالشأن المصري، والتخلى عن القضية الفلسطينية ومع ذلك فان هذا الهجوم لم يصل إلى هذا الدرجة من الإسفاف والتدنى والابتذال، ومحاولة الانقضاض على جميع المعانى والقيم الإسلامية والوطنية والأخلاقية والإنسانية،والذى وصل مداه بالإشادة والتشجيع للمعتدين الصهاينة، وما يقومون به من حرب إبادة فى غزة،وهو الأمر الذى كان موضع احتفاء وترحيب داخل الكيان الصهيونى أما من حيث التأثير فبالرغم من السيطرة شبه المطلقة للدولة على وسائل الإعلام المحدودة فى عهد السادات حيث لم تكن عرفت الفضائيات والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعى إلا إن هذه الحملات لم تؤثر على الشعب المصرى الذى وقف موقفا صلبا ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، واتخذت النقابات والجمعيات وغيرها من الكيانات قرارات بمقاطعة الكيان الصهيوني،ومنع التطبيع معه،ومعاقبة من يخالف هذه القرارات من أعضائها،وأصبح من يخرج عن هذا الإجماع موضع استنكار واستهجان شعبي،وظل التطبيع مقصورا على بعض الوزارات والأجهزة الرسمية،ووصف السلام مع الكيان الصهيونى بالسلام البارد أما الهجوم الآن فيجد له أرضية بعد المحاولات المحمومة لوسائل الإعلام لشيطنة حركة حماس و الهجوم المتواصل عليها منذ ثورة 25 يناير والتى ارتفعت وتيرته بعد الانقلاب العسكرى فى 3 يوليو،وهى تهم لاتقوم على أى دليل وبعضها يفتقد العقل والمنطق،والتى إن صحت لأوجبت تقديم العديد من القيادات العسكرية إلى المحاكمة،والذين تركوا أعضاء حماس طبقا لهذه الادعاءات يتجولون داخل الأراضى المصرية بكل حرية وأريحية فيقطعون المسافات الطوال من غزة مرورا بسيناء وقناة السويس حتى وادى النطرون ثم يعودون بعد اقتحامه لمدة عدة ساعات بالعودة مرة أخرى إلى غزة دون أن يعترضهم أحد أو يسألهم من أنتم؟ والى أين أنتم ذاهبون؟ وكأنهم فى نزهة خلوية أو رحلة سياحية!!! كما يأتى هذا الهجوم فى سياق الانقسام المجتمعى الحاد وغير المسبوق الذى تشهده مصر منذ الانقلاب،والذى قسم الشعب المصرى فوجدنا العديد من الممارسات الغريبة على قيم وطبيعة الشخصية المصرية من وشاية وكراهية وشماتة فى الموت.. فإذا كان هناك من المصريين من يشمت فى موت بنى جلدته الذى قد يكون جاره أو قريبه فهل سيتأثر بمقتل الفلسطينيين!!! ولعل هذا السياق هو مايفسر مدى الوقاحة والتدنى الذى اتسمت به هذه الحملة واشتراك عدد ليس بالقليل من إعلامى وقنوات الانقلاب فيها،وربما أغراهم – أيضا - الدور الذى قاموا به فى الانقلاب على محمد مرسى ونجاحهم فى شحن بعض قطاعات الشعب ضده،وتوقعهم أن يحققوا نفس النجاح فى هذه الحملة إن من الخطأ تصور أن هذا الهجوم يرتبط بحركة حماس وإن كان العداء لحماس المنتمية للإخوان أحد المحركات لهذا الهجوم إلا أن المحرك الأساسى لكل أو معظم المروجين له ضرب المقاومة الوطنية،والتخلى عن القضية الفلسطينية،وتصوير الأمر وكأن القضية الفلسطينية اختزلت فى حماس مع كل التقدير للملحمة البطولية التى تخوضها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكرى لحركة حماس لذلك وجدنا الهجوم على حركة حماس ومحاولة تحميلها مسؤلية العدوان الصهيونى على عزة ثم كان التطور الطبيعى – وفقا للإعلان الشهير!!! – الهجوم على القضية الفلسطينية فخرجت إحدى الكاتبات تطالب بطرد الفلسطينيين،ومصادرة أموالهم.. وسوف ترتفع النغمة فى الأيام القادمة عن التضحيات التى قدمتها مصر للقضية الفلسطينية،وأنه يجب أن ننشغل بشأننا الداخلى "وإحنا مالنا وفلسطين"!! إن هذا الخطاب الذى يدعوا لتخلى مصرعن دورها التاريخى فى دعم ومساندة القضية الفلسطينية يتناقض مع كل ما ترفعه هذه الأبواق من شعارات الهيام والغرام بمصر والذى يصل أحيانا إلى حد الشوفينية المتطرفة لأن التخلى عن مساندة القضية الفلسطينية ببساطة شديدة يمثل تهديدا للأمن القومى المصرى فلو نحينا جانبا كل الدوافع الإسلامية والعربية لمساندة القضية الفلسطينية - والتى تصيب البعض بالارتكاريا!! - ونظرنا للموضوع من زاوية المصلحة الوطنية المباشرة لكان لزاما علينا مناصرة القضية الفلسطينية دفاعا عن مصالحنا وحدودنا ففلسطين هى خط الدفاع الأول عن مصر فهى البوابة التى عبرت منها معظم الغزوات التى تعرضت لها مصر على مدار تاريخها،ولذلك عمل كل حكام مصر منذ الفراعنة،وعلى مدار كل العصورعلى تأمين الجبهة الشرقية عن طريق ضم بلاد الشام إلى مصر ولذلك فان ما قدمته مصر من تضحيات للقضية الفلسطينية كان فى جانب كبير منه هو دفاع عن مصر وأمنها القومى والغريب أن هذه الأبواق - وهى أكثر من يردد مصطلح الأمن القومى حتى على أتفه الأمور حتى ابتذلت الكلمة من كثرة الاستعمال - يتغافلون عن التهديد الحقيقى والجدى للأمن القومى بالمطالبة بالتخلى عن القضية الفلسطينية على الذين يشيدون بالكيان الصهيونى أن يتذكروا أن الحركة الصهيونية حاولت إقامة العديد من المشاريع الاستيطانية فى مناطق مختلفة من العالم قبل أن تستقر على ضرورة إنشاء الكيان الصهيونى فى فلسطين،وكان من ضمن المناطق التى سعت الصهيونية لإنشاء هذا الكيان فيه العريش وسيناء،وعندما أخفقت الحركة الصهيونية فى ذلك سعت لإنشاء هذا الكيان فى كينيا،وقد اشتهر المشروع باسم مشروع أوغندا،وهو المشروع الذى كان يمثل تهديدا لمصر لتحكمه فى منابع النيل إن هذه الأبواق تريد أن تعود بنا إلى مرحلة ماقبل الأربعينيات من القرن الماضى عندما غاب الوعى بطبيعة المشروع الصهيونى ومخططاته عن معظم القوى السياسية فى مصر فى ذلك الوقت،وهو ما أدى إلى العديد من الممارسات التى قد تثير الدهشة الآن خاصة من جانب الأجيال التى تربت على كراهية الصهاينة وأطماعهم التوسعية ودون الإغراق فى التفاصيل التاريخية التى لايحتملها مثل هذا المقال فمنذ نشأة الحركة الصهيونية بصورة رسمية عام 1897اتسم الموقف المصرى بالسلبية فلم يكن لمصر صوت يذكر بعد صدور وعد بلفور كما اعترفت مصر بالانتداب البريطانى على فلسطين كما زار الزعيم الصهيونى مصر عام 1924 للدعوة لتأييد وعد بلفور،والطلب من مصر المساعدة فى تهجير اليهود إلى فلسطين،وقد قابله الملك فؤاد وسعد زغلول كما أرسلت مصر أحمد لطفى السيد للمشاركة فى افتتاح الجامعة العبرية بالقدس عام 1925 كما اتخذت الحكومات المصرية على اختلاف انتماءاتها الحزبية مواقف معادية للفلسطينيين فى مصر الذين يمارسون نشاطا سياسيا وصحفيا للدعوة للقضية الفلسطينية ففى عام 1925 أمر إسماعيل صدقى وزير الداخلية باعتقال الوطنيين الفلسطينيين فى مصر الذين هتفوا ضد بلفور أثناء مروره على مصر لحضور الاحتفال بافتتاح الجامعة العبرية وعندما تولى رئاسة الوزارة عام 1930 أمر بإغلاق جريدة الشورى الفلسطينية كما شاركت حكومته فى معرض تل أبيب عام 1933 كما منع خطباء المساجد من ذكر اسم فلسطين، ولم يقتصر الأمر على حكومة صدقى أو حكومات الأقلية بل اتخذ الوفد حزب الأغلبية فى ذلك الوقت مواقف مشابهة لقد جاء موقف حزب الوفد وأحزاب الأقلية نابعا من تبنيها الفكرة القومية ورفع شعار الوحدة الوطنية والتسامح الدينى ورفض أية محاولة للتفريق بين الجماهير على أساس الدين وهو الأمر الذى أتاح لليهود فى مصر حرية الحركة فكانت مصر بؤرة للنشاط الصهيونى وأسس ليون كاسترو أول فرع للمنظمة الصهيونية العالمية فى مصر عام 1917،ومن الجدير بالذكر أن ليون كاسترو أصبح السكرتير الشخصى لسعد زغلول،ورافقه فى مفاوضاته فى أوربا وبصفة عامة لم تأخذ مصر رسميا موقف قوى ومناصر للقضية الفلسطينية إلا فى الأربعينيات من القرن الماضى مع بروز التوجه العربى لمصر،وإنشاء جامعة الدول العربية ثم تطورت الأمور إلى أن أخذت القضية الفلسطينية الموضع اللائق بها باعتبارها قضية العرب الأولي.
 

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top