عاش
المسلمون في أوزبكسـتـان، شـأنهم شـأن المسلمين في آسـيا الوسطى، تحت ظلِّ
الحكم الشيوعي الوحشي لمدة ثلاثة أرباع القرن. فقد حظر الروس على المسلمين
تلاوة القرآن ومنعوهم من استخدام الأسماء الإسلامية، لكنَّ قلةً من الكبار
وبعض الشباب من أهل أوزبكستان، بخاصة في وادي فرغانة، تمسكوا بدينهم
وعقيدتهم مثلما صنع غيرهم من أبناء الأمة، لكنَّ الجهل فُرِض عليهم،
فاستمروا كذلك حتى انقشع ظلام وبؤس الاتحاد السوفيتي في أواخر القرن
الماضي.
ولقد
كانت أوزبكستان من البلاد الشهيرة بكثرة مساجدها ومدارسها عبر العصور،
وبعد انفصال أوزبكستان من الاتحاد السوفيتي بلغ عدد المساجد إلى أكثر من
5000 مسجد في سائر أنحاء البلد. إلا أن المسلمين لم يلبثوا كثيرًا إلا
وفوجئوا بحملات الحكومة على الإسلام وأهله. فتناقص العدد إلى ما لا يزيد
على ألفي مسجد فقط في بلد سكانه المسلمون يقتربون من العشرين مليون مسلم.
وقد أغلقت الحكومة أكثر من 3000 خلال سنتين أو ثلاث وحولت كثيرًا منها إلى
مستودعات و"كازينوهات" واستراحات ومصانع تابعة للحكومة - تمامًا كما كانت
في عهد الشيوعية بالأمس القريب -. والمساجد التي سلمت من الإغلاق العلني لم
تسلم من سلب روحانيتها الحقيقية باعتقال ومطاردة الأئمة الصادقين والعلماء
الربانيين.
ولقد
أنجبت أوزبكستان للأمة الإسلامية عبر التاريخ بعض علماء الإسلام العظام
الأفذاذ أمثال البخاري والترمذي والنسفي والزمخشري... وأما الدعاة
المشهورون الذين قامت الصحوة الإسلامية في أواخر أيام الاتحاد السوفيتي
الهالك وبعد انهياره على سواعدهم فهم أيضًا كثر، ومن أشهرهم: الشيخ العلامة
عبد الحكيم قاري – شيخ مشايخ الصحوة الإسلامية المعاصرة - ويبلغ من العمر
105 سنوات - حيث إنه ببركة الله وحفظه كان أطول وأسبق عمرًا من عمر الاتحاد
السوفيتي، والشيخ العلامة عبد الولي قاري – أشهر داعية مخطوف في أوزبكستان
منذ عام 1995م ولا تعترف به الحكومة حتى الآن - والشيخ عابد قاري – أشهر
أئمة وخطباء أوزبكستان من حيث الفصاحة والبلاغة وقوة الطرح، وقد أسلم على
يديه المئات من المثقفين الشيوعيين، واستقام بسببه الآلاف من الشباب
المنحرف بتوفيق الله وهدايته - والشيخ الداعية المفسر عبد الأحد قاري –
إمام وخطيب جامع مدينة نمنكان - والشيخ الداعية محمد رجب قاري – إمام وخطيب
جامع مدينة قوقند - والشيخ الداعية محمد خان قاري - مدرس طلاب الحجرات
السرية منذ أيام الشيوعية - والشيخ الداعية روح الدين فخر الدين – إمام
وخطيب جامع نور الدين خوجة بالعاصمة، وقد اختطفته المخابرات الأوزبكية قبل
أشهر بعد مطاردة دامت لثمان سنوات - وغيرهم من المشايخ الدعاة الأفاضل
الذين اعتُقل منهم الكثير وطورد منهم العشرات واضطروا للهجرة إلى مختلف
أنحاء العالم.
وحالما
انهارت الشيوعية واستقلت جمهوريات آسيا الوسطى، شعر سـكانها أنهم أصبحوا
أحرارًا من عبودية الشيوعية وجبروت الروس. لذلك بدءوا العودة إلى حظيرة
الإسلام الذي حُرِّم عليهم. فعادوا لتنظيف مساجدهم التي كان الروس قد
حوَّلوا معظمها إلى حانات لشرب الخمر وحظائر للخنازير. وأخذوا يجمعون
الأموال ويتلقون المساعدات من إخوانهم المسلمين في الخارج من أجل إعادة
إعمار المساجد القديمة وبناء مساجد جديدة. وكانت أوزبكسـتان أكثر جمهوريات
آسيا الوسطى حماسًا للإسلام، فقد عُرِف أهلها منذ القِدم بحبهم للإسلام
وللأمة الإسلامية.
هذا
و في أوائل سنوات الاستقلال أراد الله عز وجل أن يهدي الشعب الأوزبكي من
جديد بعد طول ضلال، ومَنَّ عليه بنصره وتمكينه وهدايته وبكثير من نعمه
الأخرى، فأقبل الناس وخاصة الشباب - الذين حرموا من حلاوة الإيمان زمنًا
مديدًا - على الإسلام أفواجًا، فافتتحت المساجد والمدارس المغلقة في عهد
الاستعمار الشيوعي، فطبعت الآلاف من الكتب والرسائل الدينية...، وكثرت
المتحجبات الملتزمات بين النساء نصف العاريات، وكان الإنسان يشعر وقتذاك
بظهور الصحوة الإسلامية في مختلف نواحي الحياة، ولكن.. هذا الشعور وهذه
الفرحة لم تدم طويلاً، إذ أقدم المنافقون الشيوعيون الأصل من رؤساء الدولة
على الحيلولة دون انتشار هذه الصحوة المباركة وعلى ضربها في مهدها، فدبروا
بين الناس فتنًا، وحمَّلوا مسئوليتها على المسلمين المخلصين زورًا
وبهتانًا، وتذرعوا بهذه الفتن لشن حملة شرسة على الإسلام والمسلمين
الملتزمين، زاعمين أنها من أجل "وقاية الإسلام من الأصولية والتطرف"،
وأبعدوا العلماء والدعاة والأئمة الصادقين من الساحة بالتدريج، فسجنوا كثيرًا منهم وأتباعهم لمدد طويلة، ثم ظهر وفشا في البلاد من المحرمات والمستقبحات ما لم يشهد عليه من قبل - حين ازدهار الصحوة الإسلامية.
لكنَّ
هذا الانبعاث واليقظة الإسلامية لم تعجب أولئك الذين حكموا أوزبكستان بعد
انهيار الشيوعية، فولاء المسلمين للإسلام - صغارًا وكبارًا ذكورًا وإناثًا -
لم يرُقْ للحزب الحاكم، الذين خدم كثير منهم في الحزب الشيوعي سابقًا
واعتنقوا كثيرًا من معتقداته. لذلك بدءوا في منع قبول أية مساعدات لبناء
المساجد والمدارس الإسلامية أو أية نشاطات إسلامية. وقاموا بمنع استخدام
مكبرات الصوت للأذان في المساجد وبدءوا بقمع الرجال الملتحين والنساء
المحجبات. ثم بدءوا من جديد بإغلاق المساجد وسجن أئمتها والخطباء فيها
الذين لا يمتدحون الحزب الحاكم. فقد كان يوجد في مدينة نامانجان وحدها 98
مسجدًا جامعًا، ولكن السلطات أغلقتها جميعها ولم تترك منها إلا تسعة مساجد
فقط. واستخدموا - كأدوات للقمع - قوى الشرطة وأجهزة الأمن الذين اشتغل
كثيرٌ منهم عملاء في جهاز الـ " كي جي بي" السابق.
لم
يردع شيءٌ من ذلك مسلمي أوزبكستان، بل زادهم ذلك إيمانًا وحفزهم للتقرب
إلى الله سبحانه وتعالى. وما هي إلا أيامٌ حتى بدأ الإسلام ينمو ويتركز،
مالئًا البيوت والمجتمعات بالنور بعد أن بدأت الأفكار والمفاهيم الإسلامية
تنير عقول المسلمين في آسيا الوسطى. أخذوا يدعون للإسلام بشكلٍ مركَّزٍ
أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، وصاروا يطالبون بإعادة نظام الحكم الإسلامي، نظام
الخلافة. وهكذا أصبح مسلمو أوزبكستان أكثر الناس قاطبة حيويةً في دعوتهم
لعودة الإسلام للدولة والمجتمع.
لقد
أغاظ هذا الأمر الطاغية كاريموف - رئيس جمهورية أوزبكستان - فبعد أن صحا
من سكرته عمد إلى استخدام برنامج من التعذيب والقتل والوحشية والإذلال، ليس
له مثيل.
ولقد
تفنن كريموف ونظامه في تعذيب المسلمين وتقتيلهم, وبعد اشتداد الضغط
الإعلامي الدولي وسخط الرأي العام الداخلي على الحكومة وجرائمها تحولت
الحكومة الإجرامية هذه إلى لعبة خبيثة أخرى حيث شرعت في اختطاف النشطاء
المسلمين، وقد استطاع المراقبون من إحصاء أكثر من سبعين مسلمًا اختطفوا في
الآونة الأخيرة لا يعرف لهم أي حس أو خبر. وهناك قرائن ودلائل كثيرة على
ضلوع المخابرات الأوزبكية في هذه السياسة الرهيبة.
هكذا
لم يطرأ أي تقدم حقيقي على وضع حقوق الإنسان في أي منحى من مناحي الحياة
لمسلمي أوزبكستان، بالرغم من تعهد الحكومة صراحةً بتعزيز حقوق المواطنين،
وما زالت الحكومة ترفض السماح بإجراء تحقيق دولي مستقل في أعمال القتل
الواسعة التي وقعت في أنديجان في عام 2005. واستمر تراجع حرية التعبير
وحرية الاجتماع، كما استمرت الضغوط دون هوادة على المدافعين عن حقوق
الإنسان والنشطاء والصحافيين المستقلين.
واستمر
ورود أنباء عن تعرض المعتقلين والسجناء للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة
السيئة على نطاق واسع. وكان من شأن الفساد في هيئات تنفيذ القانون وفي
القضاء أن يعزز مناخ الإفلات من العقاب. وظل عدة آلاف ممن أُدينوا
بالانتماء إلى منظمات وحركات إسلامية محظورة يقضون أحكامًا بالسجن لمدد
طويلة، في ظروف تُعد من قبيل المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة.
وواصلت السلطات سعيها المحموم لتسلُّم أشخاص من أعضاء أحزاب أو حركات
إسلامية محظورة، أو ممن يُشتبه في انتمائهم إليها. ورفضت السلطات وقف تنفيذ
أحكام الإعدام مؤقتًا.
إرسال تعليق
ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر