0
تشهد المجتمعات على مر الزمان حالات من الحراك الناجمة عن الرغبة فى التغيير والمشاركة فى السلطة وهو ما ينبع من مطلب غريزى لدى المجتمعات فى الحصول على حقها فى حياة مرتكزة على العدل والحرية واحترام حقوق الإنسان.
وفى وسط حالات الحراك التى تشهدها المجتمعات تظهر حركات التغيير والمقاومة التى تعمل باستخدام طيف من الاستراتيجيات والتكتيكات والوسائل المختلفة من أجل تحقيق أهدافها بالضغط على السلطة الحاكمة. ومن خلال كتاب "حرب اللاعنف. الخيار الثالث" يقدم كل من وائل عادل، د. هشام مرسي، أحمد عادل عبدالحكيم شرحا مفصلا لـ"حرب اللاعنف" بداية من التعريف مرورا بالجذور والنشأة وأساسيات وأدوات (أسلحة) ذلك النوع من الحروب وصولا
المصطلح ووفق ما جاء بالكتاب فإن مفهوم "حرب اللاعنف" يعنى إستمرار الإجراءات السياسية بهدف إخضاع الخصم من خلال وسائل لا عنيفة أو هو "شن صراع حاسم على الخصوم المعاندين، من خلال التحكم المقصود والمخطط فى أدوات القوة السياسية لتحطيم إرادة الخصوم، باستخدام أسلحة لا عنيفة، قوية التأثير".
ويرى الكاتب أن "حرب اللاعنف" تختلف عن أساليب مواجهة إرتبطت باللاعنف مثل "قوة الحقيقة" و"الإحتجاج السلمى" و"المقاومة السلمية"و"المقاومة السلبية"و"المقاومة غير العسكرية"و"العصيان غير المسلح"و"العصيان المدنى"و"اللاتعاون"و"المقاومة اللاعنيفة"و"اللاعنف".
ومن الواضح أن نشأة "حرب اللاعنف"بدأت مع نشأة الإنسان ذاته انطلاقا من رفض الإنسان الغريزى للظلم والقهر من جانب وخشيته ونفوره من اللجوء إلى ممارسة العنف المسلح من جانب آخر.
ولكن الكتاب يشير إلى وجود أمثلة لاستخدام هذا النوع من الحروب فى العصر الرومانى عندما كانت الجماهير تثور على ظلم الحكام الرومان من وقت لآخر بل فى إحدى الحالات اضطرت الجماهير إلى الانسحاب من المدينة وإخلائها لعدة أيام إحتجاجا على ظلم الحاكم.
وفى حالة أخرى هدد المحتجون على سياسات السلطة الحاكمة فى العاصمة روما بإقامة مدينة بديلة لروما ذاتها فى مكان جديد!.
ويؤكد الكتاب أن "حرب اللاعنف" نشبت فى أكثرمن 25 دولة خلال القرن العشرين فقط وأن نسبة النجاح الكلى كانت 71% والنجاح الجزئى كان 11% بينما فشلت "حرب اللاعنف" فى تحقيق أهدافها بنسبة 18%. ومن خلال الإحصائية التى وردت بالكتاب يمكن ملاحظة وقوع "حرب اللاعنف" فى كافة أنحاء العالم وفى كافة ثقافاته وأنها كانت فى تلك الحالات موجهة ضد أشكال الحكم الديكتاتورى بكافة أشكاله السياسية والعسكرية والأيديولوجية ونظم الحكم العنصرية وضد الإحتلال الأجنبى.
أسلحة "حرب اللاعنف"
أما الأدوات، أو كما وصفها الكاتب بالأسلحة، التى تستخدم فى "حرب اللاعنف" فتختلف عن الأسلحة القتالية المستخدمة فى الصراعات العسكرية كما تختلف أيضا عن الاستجابات السلمية الهادئة للصراعات مثل الاسترضاء والتفاوض. إنها أساليب تساعد على الرد والمقاومة.
ولكن تتشابه "حرب اللاعنف" مع الحروب العسكرية من حيث توحيد القوى وإشعال المعارك ووضع إستراتيجيات وخطط وتوفير الأفراد (الجنود) المدربين الذين يملكون الشجاعة والرغبة فى التضحية وتنقسم وسائل - أو أسلحة - اللاعنف فى "حرب اللاعنف" إلى ثلاث مجموعات أساسية وهى:
الاحتجاج والإقناع اللاعنيف، واللاتعاون الإجتماعى والإقتصادى والسياسى، والتدخل المباشر.
فالإحتجاج والإقناع اللاعنيف يتضمن: إصدار تصريحات رسمية ومخاطبة الجماهير على نطاق واسع وتنظيم إحتجاجات جماعية وإعتصامات، وإستخدام أعمال رمزية عامة مثل رفع الأعلام والشارات الرمزية وإرتداء الرموز الخاصة وإستخدام الأضواء التى ترمز لمغزى معين وعرض لوحات معبرة وممارسة الضغط على الأفراد، والمسرح الساخر والموسيقى والغناء التهكمى وتنظيم مواكب وتكريم الموتى بالجنازات الرمزية. الخ وتنظيم تجمعات شعبية وتنظيم انسحابات مخططة مثل الانسحاب الجماعى من البرلمان.
أما أساليب عدم التعاون فتشمل نبذ الأشخاص وعدم التعاون مع الأحداث الاجتماعية والتقاليد والمؤسسات والانسحاب من النظام الإجتماعى مثل الهجرات الاحتجاجية وهروب العمال. وعلى المستوى الإقتصادى تحدث مقاطعات إقتصادية للأنشطة والتعاملات التجارية والإضرابات.
أما أساليب التدخل المباشر فتشمل التدخلات النفسية مثل الإضراب عن الطعام أو تنظيم محاكمات رمزية معكوسة للخصوم. وهناك التدخل الجسدى مثل الاعتصام وقوفا أو اقتحاما (ما حدث فى ميدان التحرير فى ثورة يناير 2011) والتدخل الإجتماعى مثل المماطلة وإرهاق التسهيلات والمقاطعة الكلامية وإنشاء مؤسسات إجتماعية بديلة. وأخيرا التدخل السياسى الذى يعتمد على عدد من الأساليب بداية من إرهاق الأنظمة الإدارية وصولا إلى تأسيس حكومة موازية (مثلما أعلنت القوى المعارضة تأسيس برلمان مواز فى مصر إحتجاجا على نتائج الإنتخابات التشريعية عام 2010).
المستويات الخمسة للبناء التغييرى.
وفى معرض تناوله لـ"حرب اللاعنف" تمت الإشارة إلى خمسة مستويات يتكون منها البناء الهرمى لحركة التغيير بواسطة "حرب اللاعنف".
فقاعدة الهرم تمثل المستوى الأول وتتعلق بالمستوى الفلسفى الذى يشكل الجوانب الفكرية الأيديولوجية التى تستند إليها حركة التغيير. ومن المنطقى أنه كلما قويت الفكرة والمرجعيات الفكرية التى يستند إليها الساعون للتغيير.
أما المستوى الثانى فيتعلق بالسياسات التى سيتم اتباعها ويتم من خلالها وضع أطر التحرك وأبعاده ومدى مرونة الحركة ويشترط أن تنبع السياسات وتتفق مع الفلسفة فى المستوى الأول وبالتالى يشكل المستويان الأول والثانى محاولة للإجابة على أسئلة مثل: ما هى الفكرة؟ ما جوهرها وأهدافها؟ وما هى مرتكزاتها وأخلاقياتها وضوابطها وثوابتها ومتغيراتها؟
والإجابة عن الأسئلة سالفة الذكر تكون بمثابة "الدستور" أو "الكتالوج" الخاص بأى حركة تنوى القيام بنشاط من أجل تحقيق التغيير. وفى المستوى الثالث توجد الإستراتيجيات التى تحدد الخطط الطويلة الأمد للحركة إستنادا إلى ما تم وضعه من سياسات فى المستوى الثانى. وتحدد الإستراتيجيات الخاصة بالحركة أدوات التغيير الأساسية والأدوات التى تعتزم الحركة الاستعانة بها لحسم الصراع لصالحها.
وفى المستوى الرابع تأتى التكتيكات التى تتعلق بفن استخدام الموارد البشرية والمادية المتاحة لتحقيق الهدف الاستراتيجى الذى تحدد فى المستوى الثالث.
أما المستوى الخامس والأخير والذى يمثل قمة الهرم فيتعلق بالتنفيذ ويقصد به هنا تنفيذ خطوات العمل والإجراءات التى تم تحديدها فى إطار التكتيكات بالمستوى الرابع.
- التدخل الأجنبى
ومن المتعارف عليه أن الاحتجاج على سياسات النظام الحاكم وتحريك الجماهير لمطالبها بالتغيير تعد من الشئون الداخلية فى المجتمعات والدول، إلا أنه إذا كانت الصفة الداخلية للصراع ضد السلطة فى مجتمع أو دولة ما هى الأصل فإن هناك الاستثناء المتمثل فى التدخلات الخارجية بكافة أشكالها ومستوياتها والتى يمكن أن تنتهى بتدمير الأمم بأيدى أبناءها!.

تأليف: وائل عادل، د. هشام مرسى، أحمد عادل عبدالحكيم

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top