0

عدة أكاذيب أحاطت باستعادة الأموال المصرية المهربة إلى الخارج من قبل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ومن هذه الأكاذيب:

 1- لا محاكمات استثنائية حتى نُعيد المال

بدأت النيابة العامة في مصر، بالتعاون مع جهاز الكسب غير المشروع والجهاز المركزي للمحاسبات، حصر وقائع الفساد والتربح واستغلال المال العام والاحتكار خلال عهد مبارك والتحقيق فيها مع رموز النظام السابق. قبل خلع مبارك، أحال النائب العام كلًا من وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، ووزير الصناعة والتجارة السابق رشيد محمد رشيد، ورئيس تنظيم الحزب الوطني السابق أحمد عز، لمحكمة الجنايات، بتهمة الاستيلاء على المال العام، وبحلول شهر يوليو 2011، تبعهم وزير البترول الأسبق حسين فهمي، ورجل الأعمال حسين سالم، ومعهما 5 من قيادات وزارة البترول إلى المحاكمة بتهمة إهدار المال العام في قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، ثم جمال وعلاء مبارك بتهمة التلاعب بأموال البورصة، والتحقيق مع سوزان مبارك، والحرس القديم في نظام مبارك: فتحي سرور، وصفوت الشريف، وزكريا عزمي، في قضايا كسب غير مشروع، وإحالة مبارك نفسه إلى محكمة الجنايات بتهم استغلال النفوذ وتسهيل الاستيلاء على المال العام.

وبخلاف قضايا قتل المتظاهرين إبان ثورة يناير(حُكم بالبراءة فيها على جميع المتهمين عدا مبارك ووزير داخليته)، اختصر «مهرجان المحاكمة للجميع» – كما أطلق عليه المصريون –  فساد عصر مبارك السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مجموعة من الاتهامات المالية أمام المحكمة، أُحيل فيها رموز النظام بسرعة محمومة بضغط التظاهرات المليونية في الميادين المصرية. الضغط الشعبي الذي عبر عنه ناشطون وأحزاب وحركات سياسية بالمطالبة بمحاكمات سياسية لمبارك ورموز نظامه، أو حتى محاكمات استثنائية وعسكرية، قابله «الخبراء» والمسؤولون الحكوميون بالرفض؛ لأن شروط استعادة الأموال المهربة من الخارج تقتضي صدور أحكام نهائية من «محاكم طبيعية» توفر للمتهمين كافة حقوقهم القانونية.

وَعْدُ استرداد الأموال جعل الكثير من المصريين يرتضون طول فترة التحقيقات، والمحاكمات، والاستئنافات، والطعون، على أمل استرداد الثروات التي نُهبت من البلاد عبر عقود؛ لتخفف أزمة اقتصادية اشتدت بعد تعطل الإنتاج في الكثير من المصانع والشركات، وانخفاض عائدات السياحة بأكثر من 95% في بعض الفترات. لكن نظرة سريعة على حالة محاكمات هؤلاء الآن تخبرنا بالآتي: تم التصالح مع سوزان مبارك وإسقاط كافة التهم الموجهة إليها مقابل 24 مليون جنيه، وبالمثل مع مبارك في قضية «هدايا الأهرام» مقابل 18 مليون جنيه، ومع أحمد فتحي سرور (6 ملايين جنيه)، وزكريا عزمي (مليون ونصف المليون جنيه)، وصفوت الشريف (250 ألف جنيه)، ورشيد محمد رشيد (12 مليون جنيه)، وعمرو عسل رئيس هيئة التنمية الصناعية السابق (104 ملايين جنيه)، وسدد المتهمون في قضية أرض ميدان التحرير 719 مليون جنيه، وسددت شركة آفاق للتنمية السياحية 107 ملايين جنيه،

وسددت شركة رأس حوالة للفنادق والتنمية السياحية 25 مليون ونصف المليون جنيه قيمة أراض كان أحمد المغربي وزير الاسكان والسياحة الأسبق قد خصصها للشركة. مجموع ما تم استرداده بالتصالح مع رجال الأعمال والسياسيين المتهمين بلغ نحو9 مليارات جنيه مصري من 2011 حتى 2013، وصفر لم يتغير بدخول جنيه واحد إلى خزانة الدولة من استرداد الأموال المهربة والمجمدة في الخارج.


2- نصيب الفرد من ثروة مصر المنهوبة

مع ظهور تقديرات مبدئية للأموال والأصول المصرية المهربة إلى الخارج، أخذ الكثير من المواطنين والإعلاميين في حساب نصيب الفرد من الثروات عند استعادتها، باعتبار أن توزيع المال سيكون بتقسيمه على عدد المواطنين المصريين وإعطاء كلٍ منهم نصيبه فيه. ورغم استحالة الفكرة نظريًا وعمليًا، إلا أن إغراء تقسيم 70 مليار دولار من ثروة مبارك كما أعلنت تقارير صحفية، أو 134 مليار دولار هي مجموع الأموال المصرية المهربة، كما أعلنت اللجنة البرلمانية في 2012، لم يكن من السهل مقاومته.

يقول تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن كيفية توزيع الأموال التي تستعيدها الدول بعد ثورات تطيح بنظام فاسد تلعب دورًا كبيرًا في نمو الضغط الشعبي لاستعادتها، واهتمام المواطنين والمراكز الحقوقية والقانونية بتتبعها.

وبحسب التقرير، انتهى الأمر في العديد من الدول عند استعادتها لأموالها المهربة بإنفاقها على تسليح وزي جديد للشرطة، أو مكافآت وعلاوات للأجهزة الأمنية، أو تقليل عجز الموازنة، دون أن يستفيد منها ضحايا التعذيب أو المعتقلون ظلمًا، أو من أُضيروا من الفساد وإهدار المال العام بشكل مباشر؛ مما يجعل استعادة المال، بالنسبة إليهم، غير ذات أهمية على الإطلاق.

3- لجان استرداد الأموال

شُكلت في مصر 5 لجان مختلفة – بين رسمية وشعبية – لمتابعة استرداد الأموال المهربة إلى الخارج؛ ومع تشكيل كل

منها كانت تُطلِق وعودًا بسرعة استعادة الأموال، وتشكيل وفود تسافر إلى أوروبا وأمريكا للقاء مسؤولين ومحامين

دوليين، وتعود بتصريحات عن قرب استعادة مصر لكل أو بعض أموالها:

- 4 إبريل 2011 (المجلس الأعلى للقوات المسلحة): تكليف المستشار عاصم الجوهري الرئيس الأسبق لجهاز الكسب

غير المشروع بتشكيل لجنة قضائية لحصر الأموال المهربة واستعادتها.

- يونيو 2011: تشكيل «اللجنة الشعبية لاسترداد أموال مصر بالخارج»

- 13 يونيو 2012 (المجلس الأعلى للقوات المسلحة): تشكيل مجموعة عمل قومية للتنسيق بين الأجهزة المعنية

باسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة.

- 23 فبراير 2012 (مجلس الشعب): لجنة تقصي الحقائق شكلَّها مجلس الشعب لاستعادة الأموال المهربة.

- 2 سبتمبر 2012 (محمد مرسي): تشكيل «اللجنة الوطنية لاسترداد الأموال المهربة» برئاسة المستشار محمد أمين المهدي.

- 2 نوفمبر 2014 (عبد الفتاح السيسي): تشكيل «اللجنة الوطنية التنسيقية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة بالخارج»

4- تجميد الأموال

أول خطوة على طريق استعادة الأموال والأصول الناتجة عن فساد أو استغلال للمال العام في دول الخارج هي اتخاذ هذه الدول قرارًا بتجميد الأموال التي ترصد تبعيتها (بشكل مباشر أو غير مباشر) لقائمة من المتهمين بالفساد، أو تهريب الأموال، أو التربح.

بعض الدول تتخذ قرار التجميد تلقائيًا؛ وبعضها ينتظر صدور لائحة اتهام رسمية أو طلب من الحكومات الأخرى

لتجميد أموال بعض سياسييها أو حكامها السابقين.

بدأت خطوة تجميد الأموال في الحالة المصرية إبان الثورة بقرار سويسرا تجميد 760 مليون فرنك سويسري من الأصول

المملوكة لرموز النظام السابق في مصر وتونس، ثم أعدت قائمة بـ17 اسمًا من رموز نظام مبارك في ليلة عزله عن

الحكم وجمَّدت أموالهم المُقدرة بـ407 مليون فرنك في بنوك سويسرا، ووصلت القائمة إلى 31 اسمًا بأصول تبلغ قيمتها

أكثر من 750 مليون دولار، بحسب تحقيق أجراه موقع «مدى مصر».

كان من المقرر أن يُلغى تجميد هذه الأموال في عام 2013، لكن الحكومة السويسرية قررت تمديد أجل التجميد 3

أعوام أخرى لتعطي فرصة للحكومة المصرية لإثبات أحقيتها في استعادة المال.

ما يغيب عن أخبار تجميد الأموال في بنوك أوروبا وأمريكا، التي يتلقَّاها المتابعون في مصر باعتبارها شوطًا متقدمًا

على طريق استعادة الأموال المهربة، هو أن التجميد لا يعني غير شكٍ من جانب حكومات الدول في شرعية هذه

الأموال؛ فتمنع التصرف فيها وتحويلها إلى حين إثبات الدول أحقيتها في المال أو الأصول عن طريق تحقيقات

ومحاكمات قد تستغرق أعوامًا طويلة؛ ببساطة وضعت الحكومة السويسرية الكرة في ملعب القضاء والإرادة السياسية

المصرية.

لا تتعامل كل الدول بطريقة سويسرا؛ فبحسب تقرير لشبكة «بي بي سي» البريطانية، ماطلت الحكومة في بريطانيا في

تجميد الأموال لعدة أشهر بحجة عدم توافر الحجج القانونية المطلوبة؛ فسمحت لقدر غير محدد من الأموال بالحركة

بطريقة تصعِّب كثيرًا من مهمة تعقبه، قبل أن توافق على تجميد 135 مليون دولار أمريكي تابعة لأسرة مبارك و15 من

رموز نظامه في سبتمبر 2012.
أين نحن الآن؟

توقفت جهود الحكومة ولجان استعادة الأموال عن تتبع الأموال والأصول المملوكة لرموز نظام مبارك، وأوقفت

التعاقد مع المكاتب الأجنبية التي كانت تتعاون معها في هذا الأمر.

يبقى أمام مصر الأموال المجمدة بالفعل في البنوك الأجنبية، وتبلغ 767 مليون دولار أمريكي في سويسرا، و135

مليون دولار في بريطانيا، ومبالغ أخرى غير معلن عنها في إسبانيا، وقبرص، وهونج كونج، وكندا، وفرنسا.

ويقوم على قضية استعادة الأموال لجنة جديدة شكَّلها رئيس الوزراء إبراهيم محلب برئاسة وزير العدل، وعضوية 9 من

المسؤولين الحكوميين، وصفتها جريدة الأهرام الحكومية بـ «انتفاضة مصرية لاستعادة الأموال المهربة»، دون الإعلان

عن أية إجراءات جديدة لم تستخدمها اللجان السابقة.

وبالمقارنة بين الطريق الطويل لاستعادة الأموال المهربة إلى الخارج عبر المحاكمات في داخل مصر، ثم طلب الأموال

من الحكومات الأجنبية وإثبات حصول المتهمين عليها بطريقة غير قانونية، والتنسيق مع الدول التي قد تكون متعاونة

أحيانًا، ومتعنتةً أحيانًا، وبين الطريق القصير بالتصالح مع المتهمين والمدانين في قضايا فساد، تلجأ الحكومات

المتعاقبة إلى الحل الثاني دائمًا؛ وهو ما دفع رجل الأعمال حسين سالم، الهارب من حكم قضائي، إلى عرض

التنازل عن 22.5 مليار جنيه مقابل إسقاط كافة التهم عنه والتوقف عن ملاحقته محليًا ودوليًا.

المصدر: ساسة بوست

إرسال تعليق

ياكريم نيوز | هو مواقع اخباري يهتم بالشان العربي والعالمي ينقل لكم الخبر كما هو
من مواقع اخر فتقع المسئولية الخبار علي المصدر

 
Top